د. وائل الحساوي / نسمات / الربا هو أساس البلاء

تصغير
تكبير

تكلم نواب مجلس الأمة خلال مداولات جلسة شراء المديونيات كلاماً جميلاً عن أساس المشكلة التي أدت الى تفاقم القروض على المواطنين وعجز الكثير منهم عن السداد وما يترتب عليه من مشاكل كثيرة ومحاكمات وسجون، فقالوا ان القروض الربوية التي تقدمها البنوك للمواطنين دون حساب هي أساس المشكلة، ورفع سقف الإقراض الى نسب عالية قد تصل الى خمسين ضعف الراتب، كثيراً ما يغري الإنسان بالمسارعة الى الاقتراض دون حساب لعواقب الديون.

وقد يؤدي ذلك بأن تصل فوائد الديون بعد سنوات الى مبالغ كبيرة لا يكفي راتب الإنسان لسداد تلك الفوائد ناهيك عن المبلغ الاصلي المستدان.

ولو رجعنا الى قواعد الشريعة السمحة وتأملنا في سر تحريمها للربا بجميع أشكاله لوجدنا كنوزاً من الحكمة، فالربا وان كان ظاهره مساعدة المحتاجين وتلبية حاجاتهم عن طريق الاقتراض، لكنه في الحقيقة دمار حتمي للمجتمعات التي تتعامل فيه، وجميع اديان العالم قد ذمت الربا وبينت خطورته على المجتمعات من وجوه عدة:

أولاً: فهو استغلال لحاجة المحتاج للمال عن طريق فرض فوائد ربوية كبيرة عليه، مع أن الاصل في القروض هو ان تكون حسنة ولا فائدة عليها.

ثانياً: انه يسبب البغض والكراهية بين افراد المجتمع لا سيما أن اغلب المرابين لا يصنعون شيئاً فيه فائدة لمجتمعاتهم عدا أن يجلسوا على أكياس النقود لكي يقرضوها للناس ثم يجنوا من ورائها أرباحاً كبيرة.

ثالثاً: ان الربا هو أساس التضخم الحاصل في العالم كله، حيث ان المال الأصلي ينمو نمواً غير طبيعي عن طريق الفوائد الربوية من غير جهد يبذله المرابي او انتاج حقيقي، بل هو تضخم غير حقيقي سببه الفوائد الربوية، وقد ضرب أحد الدكاترة الحاصلين على جائزة نوبل في الكيمياء مثلاً على ذلك برجل أقرض رجلاً آخر دولاراً واحداً قبل ألفي عام، بفائدة معينة مهما كانت بسيطة (5 في المئة) ولم يسدد الرجل ما عليه، فإذا حسبنا ما عليه بعد ألفي عام سيصل ذلك الدولار الى مبالغ لا تكفي ميزانيات العالم كله لتسديدها، وقد قمت بحساب ذلك بمعادلة بسيطة فوجدت بأن الناتج هو رقم وأمامه ثمانية وعشرون صفراً، أي تريليونات الدولارات، والسبب هو أن الفائدة لا تقع على الدولار وحده وانما على الفائدة السنوية كذلك والتي تتضاعف الى درجة مخيفة بعد سنوات عدة.

رابعاً: أن أغلب ثورات الخبز والانتفاضات التي تحدث في العالم هي بسبب الزيادات الفاحشة التي تفرضها الدول الكبرى على الدول الفقيرة مقابل اقراضها، ثم يتدخل البنك الدولي ليفرض شروطاً قاسية على الدول التي تعجز عن السداد ولترفع أسعار السلع الاساسية مما يفجر الاحتجاجات والثورات.

خامساً: ان بركة المال تنطفئ مع وجود الربا وانتشاره فيه كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - «كل ربا وإن زاد فإن عاقبته إلى قِل»، ولذلك نشعر بمحق بركة المال الذي نكسبه من الربا وأنه يقل ولا يزيد، ويكفي بأن الله تعالى قد توعد المرابين بقوله «فأذنوا بحرب من الله ورسوله».

•  ولا يعني كلامنا بأن الأمر مقتصر على الفوائد الربوية، بل إن البنوك الإسلامية مطالبة كذلك بعدم المبالغة في رفع الفوائد التي تكسبها عن طريق المرابحة والمضاربة وأن تعطي الناس فرصة لتحقيق آمالهم وسد حاجاتهم دون قيود كثيرة وأرباح مضاعفة تثقل كواهلهم.


د. وائل الحساوي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي