علي محمد الفيروز / إطلالة / سيّد الأولين وسيّد الآخرين

تصغير
تكبير
صادف يوم الاثنين 12 من ربيع الأول - ربيع الآخرة 1430هـ ذكرى المولد النبوي الشريف لسيد الخلق والمرسلين نبينا ورسولنا «محمد» صلى الله عليه وسلم، انه محمد البشير النذير والسراج المنير، لقد أرسل الله رسوله رحمة للناس كافة ليأخذ بأيديهم إلى الهدى، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن المنهج الذي جاء به رسولنا الكريم منهج تسعد به كل البشرية ليقودها الى الكمال في الدنيا، نعم انه سيد الرسل الذي بعثه الله الى خلقه جميعا بعدما ملأ الكفر الآفاق، فجعل يتنقل من مكان الى مكان، ثم يأتي في كل موسم ويقول: من يؤويني، مَن ينصرني؟ خرج من مكة فلم يقدر على العودة إلا بأمر من الله تعالى، فلو كان غيره لقال: يارب أنت مالك الخلق وقادر على النصر، فلمَ أُذل؟ إلا أنه «عبدالله ورسوله»، ولن يضيع أبدا، وقوله: «إني عبدالله ولن يضيعني»، دليل بيان حكمته على أنه لا يفعل شيئا عبثا، لقد اختص الله به من المعجزات الإلهية والغيبيات والتنبؤات المستقبلية حتى قيل عنه «انه كذاب ساحر»، ولكن صبره على البلاء جعله يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون»، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم جعله الله في الناس شاهدا، وليعملوا بما يحسن هذه الشهادة التي لا يمكن أن تكذّب أو تبدّل، وجعله الله مبشرا للناس، بما ينتظر العاملين الصالحين من رحمة وغفران، ومن فضل وتكريم، وأن يكون رسولنا نذيرا للغافلين عن دين الله بما ينتظرهم من عذاب ونكال، فلا يؤخذون على غرة ولا يعذبون الا بعد انذار، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو «السراج المنير» الذي يجلو الظلمات ويكشف الشبهات، لينير الطريق نوراً هادئا هاديا كالسراج المنير في الظلمات، ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما». صدق الله العظيم.
إن المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ليس الا رسولا، سبقته الرسل، وقد مات الرسل، ومحمد سيموت كما مات الرسل قبله، وهذه حقيقة أولية، كما ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول من عند الله، جاء ليبلغ كلمة الله، والله سبحانه وتعالى هو الباقي الذي لا يموت، وكلمته باقية خالدة لا تموت، لذلك أكد الله سبحانه في القرآن الكريم انه لا ينبغي أن يرتد المؤمنون على أعقابهم إذا مات النبي الذي جاء ليبلغهم كلمة الاسلام، وهذه أيضا حقيقة أولية، ما ينبغي للمؤمنين ان يغفلوا عنها ومن حب الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ان قال في كتابه الكريم «ورفعناه مكاناً عليا»، تقديرا لمكانته العالية الطاهرة، وقد رفع الله سيدنا وحبيبنا محمد الى قاب قوسين، وقول الله تعالى: «ان الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنو صلوا عليه وسلموا تسليما»، يدل على التشريف العظيم الذي شرف به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه أتم وأعز في الاكرام من تشريف سيدنا آدم عليه السلام، حيث أمر الملائكة بالسجود له من وجهين: أحدهما: أن ذلك وقع وانقطع، وتشريفه صلى الله عليه وسلم بالصلاة مستمر أبدا، والثاني ان ذلك حصل من الملائكة لا غير، وتشريفه صلى الله عيه وسلم حصل من الله والملائكة والمؤمنين أجمعين... إنها لدلالة واضحة على مكانة رسولنا الكريم العالية وفضله عند رب العالمين، حيث اصطفاه وهيأ روحه لاستقبال دين الاسلام والقرآن، واصطبغ بتعاليمه السمحة حتى حوّل هذه التعاليم الصالحة الى سيرة نابضة، وسنة هادية في الحياة، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين للعالم كله، كما في قوله تعالى: «ومَن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سَفِهَ نفسه، ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين، إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين» (صدق الله العظيم).
ويعني أن الله شرع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الدين الحنيف الذي شرعه للخليل، وكمله الله تعالى له وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا من قبله، لذلك أصبح رسولنا الكريم قدوة اماما مهتديا داعيا الى الخير يقتدى به وخاشعا لله في جميع حالاته، ومخلصاً على بصيرة، قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله، نعم اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته، واتخذه خليلا، وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة. لقد كان أهل الكتاب يستكثرون أن يدعوهم الى الاسلام نبي ليس منهم، نبي من الاميين الذين كانوا يتعالون عليه من قبل، لأنهم هم أهل الكتاب وهؤلاء أميون، فلما أراد الله الكرامة والعزة لهؤلاء الاميين بعث منهم خاتم النبيين، وجعل فيهم الرسالة الأخيرة الشاملة للبشر أجمعين، وفي النداء الإلهي لأهل الكتاب يسجل عليهم أنهم مدعوون الى الاسلام، مدعوون للإيمان بهذا الرسول ونصره وتأييده، كما أخذ عليهم ميثاقه ويسجل عليهم شهادته «سبحانه» بأن هذا النبي الأمي هو رسول الله اليهم كما انه رسول الله الى العرب والناس كافة دون تمييز، لقد اشتد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم المرض حينما كان مقعدا بالفراش، وهو ساكن ساكت لا يعلم أحد عن حاله، كان صبورا على مرضه، مؤمنا بقضاء الله ورحمته، الى ان اشتد عليه المرض فيسلب روحه الطاهرة الزكية الشريفة وهو مضطجع في كساء ملبد وازار غليظ، وهذا ما قدر على الصبر عليه كما ينبغي نبي قبله، ولو ابتليت به الملائكة ما صبرت! ليقول في المباح «مالي وللدنيا»! توفي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، عام أحد عشر، وعمره ثلاثة وستون عاما، وقام بغسله بعد مماته سيدنا علي والعباس رضي الله عنهما وأرضاهما، نعم هذا هو رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، سيد الأولين وسيد الآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، أحبه أصحابه حبا لا مثيل له ولم تعرف له النفس البشرية في تاريخها نظيرا، ان البشر الى فناء ولكن العقيدة الى بقاء، ونحن كمسلمين ان كنا مؤمنين بالله ورسوله الكريم، فعلينا أن نحب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كما أحبه الصحابة، هذا الحبيب المصطفى الذي جمع الأمة على دين واحد ورجل واحد، فيا عرب ويا مسلمين، ان الرسول محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب قد وحدكم ولم يفرقكم، وجمع شملكن ولم شملكم، جعل في أمتكم المفككة التقدم بدل التخلف والعز بدل الذل، والنصر بدل القهر والتبعية.

يقول الدكتور مصطفى السباعي في اضاءاته الشرقية عن فضل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: «لئن شق موسى (عليه السلام) بحراً من الماء فانحسر عن رمل وحصى، فلقد شق محمد صلى الله عليه وسلم بحورا من النفوس، فانحسرت عن عظماء الخالدين»، «ولئن أحيا عيسى (عليه السلام) الموتى بإذن الله ثم ماتوا... فقد أحيا محمد صلي الله عليه وسلم أمما ثم لم تمت. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
علي محمد الفيروز
كاتب وناشط سياسي كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي