د. وائل الحساوي / نسمات / لا تحرقوا جُبَّة المجلس

تصغير
تكبير
من نوادر الجاحظ:
«قال رجل نحوي لابنه: إذا أردت أن تتكلم بشيء فاعرضه على عقلك وفكر فيه بجهدك حتى تقوّمه ثم أخرج الكلمة مُقَوَّمةً، فبينما هما جالسان في الشتاء والنار تتقد وقعت شرارة في جبته وهو غافل عنها والابن يراه فسكت ساعة يفكر ثم قال: يا أبت، أريد أن أقول لك شيئا أفتأذن لي فيه؟ قال أبوه: إنْ حقا فتكلم. قال: أراه حقا، فقال: قل. قال: إني أرى شيئا أحمر على جبتك، قال: ما هو؟ قال: شرارة وقعت على جبتك، فنظر أبوه إلى جبته وقد احترق منها جزء كبير فقال للابن: لِمَ لَمْ تعلمني به سريعا؟ قال: فكرت فيه كما امرتني، ثم قومت الكلام وتكلمت به، فنهره وقال له: لا تتكلم بالنحو أبدا».
الدستور هو نصيحة الآباء للأبناء لتنظيم حياتهم وتحسين معيشتهم ولحل مشاكلهم، ولكن التطبيق الحرفي للدستور دون وعي باهدافه ومراميه قد يتحول إلى طامة كبرى على البلد، ولقد ابتلينا ببعض النواب: إما أنهم لا يفقهون الدستور وبذلك يتعاملون مع حروفه وكلماته لا مشع أهدافه ومتطلباته.

هذا صنف، والصنف الآخر هم الذين يلوون أعناق النصوص الدستورية ليصلوا عن طريقها إلى اهدافهم الخاصة من حب البروز والعلو وزعزعة الاستقرار في البلد، وكلما نهرتهم عن ذلك وقلت لهم بان البلد قد احترق بسبب اجتهاداتكم الخاطئة واستجواباتكم السخيفة صاحوا عليك: هذا حق دستوري للنائب، وهذه هي الوسيلة الوحيدة للإصلاح، ولا شك أن العقلاء من النواب هم الأكثرية، والذين يزنون الأمور ولا يحرقون «جبة» البلد بحجة التفسير الخاطئ للدستور.
كونوا صمام أمان المجلس
قال لي صديقي: انا متدين ولكن لا أتعصب لأحد وأغضب إذا شتموا المتدينين، وفي الفترة الأخيرة اصبحت اشعر بالخجل كلما دخلت ديوانية من الدواوين لا سيما في المناطق الداخلية حيث اسمع الكثير من الناس يشتم النواب الاسلاميين وينتقدهم بمرارة ويقول بأنهم قد دمروا البلد، والبعض ينسج ضدهم اتهامات بسرقة المال العام والرشوة وغيرها.
ويضربون مثلا بالاستجوابات الثلاثة المقدمة إلى رئيس مجلس الوزراء وكلها من نواب اسلاميين وكيف أدخلت البلد في نفق مظلم بسبب الرغبة في تصفية حسابات مع جهات حكومية أو غيرها.
قلت لصديقي: انا معك في ان موجة السخط ضد النواب الاسلاميين في مجلس الامة عالية جدا ولا يمكن انكارها، ولعل هذا من ضريبة دخول عدد كبير منهم في المجلس، وعدم التنسيق بينهم وضياع الاولويات لدى بعضهم، لكن لا تنسى ان هنالك نسبة من النواب الاسلاميين في المجلس يمثلون صمام أمان للمجلس ويتصدون لكثير من الممارسات الخاطئة من النواب ويشرعون القوانين ويتعاملون برقي مع اخوانهم في المجلس، كذلك فإن هنالك عددا لا بأس به من النواب غير المحسوبين على الاسلاميين ممن يخلقون المشاكل ويثيرون الازمات وينفرون الناس بسبب ادائهم المتخبط.
نحن لا ننكر بأن الاخوة المستجوبين لهم وجهات نظر قوية في استجواباتهم وبأنها رد على ممارسات خاطئة بل وقاتلة من الاطراف الحكومية، كما انها ادوات دستورية لا يمكن اسقاطها ولكننا نعتقد بأن الطريقة التي يتم بها استخدام تلك الادوات هي طريقة كارثية وتستفز مشاعر الناس في وقت يحتاج فيه البلد إلى الاستقرار والتوجه نحو التنمية، فليس من المعقول ان يصبح تقديم الاستجوابات هو الوسيلة الوحيدة للاصلاح وبهذه العشوائية المفرطة، والنواب الإسلاميون يجب ان يكونوا القدوة للآخرين وان يقدروا مفهوم طاعة اولي الامر دون افراط ولا تفريط، وان يخلعوا عنهم ثوب المصالح والتوجيهات الطائفية والقبلية وغيرها حتى لا ينفر الناس من الدين بسبب أفعالهم.
د. وائل الحساوي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي