يعتبر انتصار الثورة الإسلامية الايرانية في العام 1979 احد اهم المنعطفات الحاسمة التي شهدها القرن العشرين حيث اذهلت الكثير من منظري الثورات العالمية، واليوم بعد مرور ثلاثة عقود على انتصار هذه الظاهرة الفريدة لا تزال الكثير من ابعادها ومميزاتها غامضة، وغير مكشوفة للمؤرخين.
/>ان ارتفاع اسعار النفط، والعلاقات الاستراتيجية مع الدول الغربية، لا سيما اميركا خلال السبعينات منحت نظام الشاه قدرات هائلة بحيث استطاع وبدعم اميركي مكثف وفي اطار خدمة المصالح الاميركية، والاساءة لمصالح دول المنطقة ان يصبح شرطي المنطقة من خلال بناء خامس اكبر جيش في العالم.
/>ان القدرة العسكرية لشاه تضاعفت، ووصلت إلى حد انه كان يقدم المساعدات اللوجستية والعسكرية للقوات العسكرية للقوات الاميركية في حرب فيتنام.
/>من خلال هذه المقدمة يتبادر إلى اذهاننا السؤال عن اسباب عدم نجاح الحركة الشعبية في ايران لتحقيق الديموقراطية من خلال الانتفاضة المشروطة ابان عهد الدولة القاجارية، وكذلك حركة تأميم شركات النفط، ونهضة الشعب العارمة بقيادة الامام الخميني الراحل في العام 1964 في حين كانت الحكومات الايرانية هزيلة، وضعيفة بينما انتصرت الثورة الايرانية في العام 1979 خلال فترة قصيرة، والشاه يعيش قمة جبروته وغطرسته.
/>«مؤسسة دراسة وتحليل المعلومات العسكرية» التي تقدم المعلومات الامنية لوزارة الدفاع والقوات المسلحة في الولايات المتحدة تقول في تحليلها لأوضاع الشاه قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران: «من المتوقع ان يواصل الشاه سلطته وهيمنته بفعالية خلال الاعوام العشرة المقبلة» الغريب هو كيف نجح الشعب الايراني وبأيد فارغة في الاطاحة بحكومة الشاه، وجعل المستحيل ممكنا؟
/>هناك وجهات نظر متفاوتة حول علل واسباب قيام الثورة الايرانية، فريق يرى ان نظرية المؤامرة هي التي ادت لنجاح الثورة، وان البرمجة المسبقة للأجانب، لاسيما الانكليز والأميركيين هي التي ادت للاطاحة بالشاه حيث ان التطور المتسارع للاقتصاد الايراني في المجالات الصناعية، والزراعية، والعمرانية، ودور الشاه في ارتفاع اسعار النفط في النصف الاول من الخمسينات شكل تحديا خطيرا للدول الغربية، الا ان هذا التحليل يثبت بطلانه من خلال العلاقات المتجذرة بين نظام الشاه والدول الغربية واسرائيل.
/>الفريق الآخر يؤمن بنظرية التحديث، وتسارع وتيرة الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم مواءمة العصرنة مع النسيج التقليدي المحافظ للمجتمع الايراني، الامر الذي تمخض عن ازمة هوية، وصراع محتدم بين الاصالة والحداثة ادى لانفجار الثورة ونضوجها. ويمكن دحض رأي هذا الفريق اذا علمنا ان مؤشرات النمو خلال الاعوام الاخيرة من الحكم البهلوي كانت تشهد ارتفاعا وتطورا تحسد عليه.
/>البعض الآخر يرى ان الازمات الاقتصادية المتفاقمة شكلت هاجسا ادى لانتصار الثورة الايرانية الا ان التطور النسبي للاقتصاد الايراني ابان الاعوام الاخيرة من حكم الشاه يدحض هذه النظرية.
/>ان دراسة معمقة للتطورات الاجتماعية خلال العقدين الاخيرين من حكم النظام الملكي تشير إلى ان طرح الافكار الحكيمة الملهمة من الدين الاسلامي من قبل مفكرين وعلماء افذاذ كالامام الخميني، والعلامة الطباطبائي، والدكتور مرتضى مطهري، والدكتور علي شريعتي شكلت مرتكزات فكرية تبلورت على ارضها الثورة الإسلامية. هذه الافكار اكدت على قدرة الاسلام، ودوره في بناء الحضارة ونجاح الثورة.
/>ومع ان بعض المفكرين من خلال دراسة سطحية للمجتمع الايراني يعتبر العوامل الاقتصادية من اهم اسباب انتصار الثورة الاسلامية إلا اننا نقول بملء فم ان الاستبداد السياسي المطلق، والاسوأ من ذلك حرص محمد رضا بهلوي، ووالده رضا شاه على محاربة الاسلام قد مهدا لانتصار الثورة، ولولا الحرب ضد الاسلام لما نجحت الثورة.
/>ان الباحثين كافة يؤكدون على شدة الخفقان والديكتاتورية ابان العهد الملكي ويتناولون بالتفصيل اساليب التعذيب والقمع وانتهاك حقوق الانسان في سجون «السافاك».
/>ان الباحثين والمؤرخين يشيرون في كتاباتهم إلى ممارسات الشاه في كبح جماح الحركة الدينية، وقمع المؤسسات الدينية والفكرية والقضاء عليها.
/>لقد كان الشاه يصف علماء الدين بالرجعية، ويسمي الكفاح الاسلامي بالرجعية السوداء، ويدعي بأن الرجعية السوداء قد اتحدت مع الرجعية الحمراء (اي الشيوعية) للحيلولة دون رقي البلاد وتطورها.
/>ميخائيل فيشر الباحث الاميركي الذي الف كتبا متعددة حول الثورة الاسلامية في ايران يشير في ابحاثه إلى ان الصراع الديني لأبناء الشعب ضد الحكومة لا يعني تعصبهم لافكار بالية ومعتقدات قديمة، بل انها تشمل مطالب منطقية وعادلة كثيرة.
/>وكان الشاه على سير ابيه يحارب الاسلام، وعلماء الدين، ويمارس شتى انواع الضغوط على المعاهد الدينية من اجل زعزعة الجذور الدينية لأبناء الشعب بينما جند كل طاقاته للاحتفال بذكرى مرور 25 قرنا على النظام الملكي في ايران.
/>ومما زاد في الطين بلة اقراره بتغيير التقويم الاسلامي القومي الذي يبدأ من الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنورة، واستبداله بتقويم شاهنشاهي مزعوم يبدأ من ولاية كورش الكبير الملك الاخميني على ايران، وهو التاريخ الذي لا يجمع عليه المؤرخون، ويصف انطوني بارسونز هذا الامر بأنه مبادرة ساذجة، وحمقاء ضد العقائد الدينية لأبناء الشعب الايراني.
/>وبينما كانت المنطلقات الدينية تترسخ في ارجاء المجتمع الايراني وتتكرس ضرورة انطلاق الحكومة الاسلامية، كثف الشاه من جهوده للقضاء على القيم الدينية مما ضاعف من سخط ونقمة الشعب الذي ايقن دون شك بأن النظام الحاكم لا هم له سوى القضاء على الدين الحنيف، ومحو الإسلام، وهذا ما دفعه لأن يشمر عن سواعده ويخرج عن بكرة ابيه معلنا رفضه للاستبداد، ومساندا لثورته الأبية.
/>رضا موسوي
/>