في الوقت الذي تناشد فيه الدول الكبرى دول الخليج العربي المساهمة في حل الأزمة المالية العالمية وتوجيه استثمارات الصناديق السيادية إليها، تلوح في الأفق أزمة تكاد لا ترى حلاً ناجعاً لها في ظل السياسات المتّبعة إلى الآن، والتي أثبتت فشلها بواقع الأرقام والحقائق.
إنها أزمة البطالة في العالم العربي والتي جاءت الأزمة المالية العالمية لتعمّق من حجمها وتزيد من خطورتها ما يستوجب معها تحركاً سريعاً من الدول العربية وفق خطة استراتيجية ومنهجية مع ما يتطلبه ذلك من تفعيل وتحرير التجارة البينية وتحقيق التكامل العربي الاقتصادي.
وفي الوقت الذي تشير فيه جميع التقديرات إلى أن معدلات النمو العربية ستنخفض إلى أدنى حد لها في السنة المقبلة متأثرة بتداعيات الأزمة المالية العالمية، ما من شأنه أن يخفض الإنفاق في ظل انكماش العجلة الاقتصادية، يؤكد تقرير حديث لمنظمة العمل العربية على أن الوضع الحالي للبطالة في المنطقة العربية يعد الأسوأ بين جميع مناطق العالم من دون منازع، وأنه في طريقه لتجاوز الخطوط الحمراء كلها، إذ تخطت نسبة البطالة الـ 14 في المئة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 17 مليون شخص، وينبه تقرير لمنظمة العمل الدولية إلى إمكانية أن يصل عدد العاطلين عن العمل في البلدان العربية عام 2010 إلى 25 مليون عاطل، 60 في المئة تقريباً منهم دون سن الخامسة والعشرين، وتتوقع مصادر أخرى أن يقفز هذا الرقم إلى 80 مليون عاطل بحلول عام 2020، علماً أن هناك بعض التقارير الاقتصادية ومنها تقرير الوحدة الاقتصادية في الجامعة العربية يقدر معدل البطالة الحالي في الوطن العربي بين 15 في المئة و20 في المئة.
وتشير دراسة اقتصادية حديثة في إطار «مبادرة شباب الشرق الأوسط» إلى أن كلفة البطالة في 11 دولة عربية تصل إلى 25 بليون دولار سنوياً، أي ما نسبته 2.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. واستناداً إلى تقديرات منظمة العمل العربية، فكل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1 في المئة سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5 في المئة، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة إلى 1.5 وارتفاع فاتورة الخسائر السنوية إلى أكثر 170 مليار دولار، علماً أن هذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل، وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلى ربع حجمها الحالي، علماً أن التقديرات تفيد إلى وجوب استثمار نحو 70 مليار دولار، إذا ما أردنا الحفاظ على المعدل الحالي للبطالة، وتوفير فرص عمل جديدة تناسب الداخلين الجدد إلى سوق العمل والذين يقدر عددهم بنحو 4 ملايين شخص سنوياً.
وللمفارقة، ففي الوقت الذي يعاني فيه الوطن العربي من هذه الأرقام المخيفة في البطالة، نجد أن عدد الأجانب العاملين في الدول العربية يتزايد بشكل مستمر، ونسبة كبيرة من هؤلاء من غير المختصّين وحملة الشهادات، ما يعني أنها عمالة ذات مستوى منخفض، وقد بلغ عددها نحو نصف مليون عامل عام 1975 ووصل إلى 8.8 مليون عام 2000.
المفارقة الثانية هي أن عدد العاطلين عن العمل بارتفاع مستمر رغم أن الفترة السابقة لتداعيات الأزمة المالية العالمية شهد أعلى معدلات للنمو الاقتصادي في البلدان العربية على الإطلاق، مترافقة مع تدفق عائدات مالية ضخمة لدى الدول العربية المصدّرة للنفط، واستفادت الدول الأخرى غير المصدرة من هذه العائدات على شكل تدفقات استثمارية وصلتها إثر السيولة الضخمة التي تكونت لدى الدول النفطية، إذ يذكر تقرير لصندوق النقد الدولي أن نمو اقتصادات دول المنطقة استمر في تخطي معدل النمو العالمي البالغ نحو 5 في المئة للسنة السادسة على التوالي، خصوصاً دول الخليج العربي. ورغم الأداء القوي هذا، واستمرار صعود الفائض المالي في المنطقة، فإن رقم البطالة تضاعف في معظم دول المنطقة عن تلك الفترة.
ولنا أن نتصور الوضع الآن في ظل الانعكاسات السلبية الضخمة للأزمة المالية العالمية ووضع الدول العربية بالنسبة إليها. إذ تلفت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة «أسكوا» إلى أن نصف سكان العالم العربي يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، إذ جاء في دراسة صادرة عنها «ان صورة العرب الأثرياء هي الصورة الطاغية، إلا أن الواقع يظهر أن بين 40 في المئة إلى 50 في المئة من السكان يعيشون بأقل من دولارين يومياً».
ثمة مسببات متنوعة ومتعددة للبطالة، وهي:
1 - تدني المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات ومتطلبات سوق العمل من جهة، وعدم خلق وظائف جديدة من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تراكم أعداد هائلة من خريجي الجامعات في صفوف الباحثين عن العمل، وبالتالي إلى زيادة نسبة البطالة لدى المتعلمين وحملة الشهادات أكثر من أي فئة أخرى، وهو ما تؤكده التقديرات التي تقول إن معدلات البطالة بين الأميين هي الأدنى في غالبية البلدان العربية، في حين ترتفع هذه المعدلات في صفوف ذوي التعليم الثانوي والمتوسط والجامعي، لتبلغ عشرة أضعاف في مصر، وخمسة أضعاف في المغرب، وثلاثة أضعاف في الجزائر، مما يعني أن غير المتعلمين أكثر حظاً في العمل من المتعلمين في البلدان العربية.
2 - انتشار الفساد والمحسوبيات التي تحرم الشاب الكفؤ والمتعلّم من الحصول على الوظيفة التي يستحقها عبر المباراة لمصلحة من هم أقل مستوى أو تعليماً أو اختصاصاً منه.
3 - ضعف الاستثمار الداخلي، وتوجيه الأموال العربية إلى الخارج بدلاً من توظيفها في سبيل خلق اقتصاد إنتاجي يقوم على العلم والمعرفة ويوظّف القدرات والطاقات البشرية في سبيل خلق قيمة مضافة تؤدي إلى ضمان هيكلية اقتصادية مستقبلية بعيداً عن الاقتصاد الريعي والاستهلاكي غير المنتج الذي يساعد على تزايد معدلات البطالة لقدرته المحدودة على استيعاب وظائف جديدة، علماً أن حجم الاستثمارات العربية الموظّفة خارجا يقدر بـ 1400 مليار للعام 2005 أي قبل الطفرة وارتفاع أسعار النفط في الفترة السابقة التي زادت بالتأكيد من حجمها.
4 - استنزاف معظم الموارد العربية، خصوصاً إبان فترة الازدهار الاقتصادي إثر الفوائض المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط في الإنفاق على التسلح، وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة، إذ تعد دول العالم العربي من اكبر دول العالم إنفاقاً على التسلح قياساً بالناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الفساد وتراكم الديون وخدمة هذه الديون.
5 - العزوف عن التوجه إلى العمل الحر لغياب الدعم المالي والمبادرة والتشجيع من قبل الدولة أو القطاع الخاص إلى جانب تفضيل الشباب عدم المغامرة بسبب المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقهم في تحمّل عبء العائلة التي ينتمون إليها.
6 - الافتقار إلى قواعد بيانات وإحصاءات عن طبيعة وعدد ونوع الوظائف المتوافرة إلى جانب عدد واختصاص وتوجه الباحثين عن عمل، وهو الأمر الذي يضفي غموضاً على حجم سوق العمالة في الوطن العربي ويجعله يسير بشكل عشوائي بعيداً عن أي آليات أو ضوابط.


علي حسين باكير
باحث ومحلل أردني وهذا المقال منشور بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية» www.minbaralhurriyya.org