النحل والذباب من الحشرات الطائرة ذُكرتا في القرآن الكريم في موضعين مختلفين، ويزيد النحل على الذباب أن هناك سورة كاملة باسمه وهي سورة النحل.
في سورة النحل يقول عز وجل: «وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)».
بينما يقول سبحانه عن الذباب: «يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب(73)»، سورة الحج.
بالطبع كلاهما من خلق الله، وبالطبع كلاهما فيه فائدة للكون والناس بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولو تأملنا في مقارنات بين النحلة والذبابة نجد أن النحل يبحث عن الزهور والورود ليمتص رحيقها ويصنع منه العسل، بينما الذباب يبحث عن الجيف والقاذورات والنجاسات وغيرها - أجلكم الله - كما أنه «يتفنن» في «تطفيرنا» خلال تناولنا للطعام.
النحل نربيه ونبني له البيوت لينتج العسل، بينما الذباب نقتله ونقاوم انتشاره بأصناف شتى من المبيدات الحشرية.
النحل كنحل - وليس عسل النحل - أصبح يستخدم في الطب البديل من خلال ما يُعرف بـ«إبر النحل»، بينما الذباب سبب انتشار كثير من الأمراض المعدية. فهل تعلمون سبب هذا الفرق الوظيفي الكبير بينهما مع أنهما متقاربان في الصنف الحيواني والحجم والشكل تقريباً، إنها العين!
عيون النحل ترشدها إلى الزهور والورود والرحيق، ولذا لا ينتج عنها إلا عسل فيه شفاء للناس، بينما نجد أن عيون الذباب لا تفرق بين الطيب والخبيث، فتقع عليهما جميعاً لتنقل لنا الأمراض!
عيون البعض كعيون النحلة، وآخرون عيونهم كعيون الذبابة، والعياذ بالله، فـ«النحليون» من البشر وإن كانت لهم «قرصات» مؤلمة أحياناً فإنهم مفيدون، بينما لا فائدة من «الذبابيين»، لأنهم لا يفرقون بين الطيب والخبيث أبداً، فنجدهم سراقاً للمال العام ومرتشين ومفسدين في الأرض، إلا إذا تمت مقاومتهم بأشكال المبيدات الإصلاحية كافة.
«النحليون» يحبون النظام والعمل الجماعي التعاوني والأماكن المفتوحة والعمل تحت الشمس، فهم لا يعتدون على حقوق أحد، ولا يسلبونهم شيئاً من حقوقهم، بينما نجد «الذبابيين» يفضلون العمل في الظل، والأماكن المغلقة والعفنة النتنة، إذ يبحثون عن المستنقعات الآسنة ليقتاتوا منها، شعارهم في الحياة «الأخذ من دون عطاء»!
«النحليون» يركزون في حركتهم ودأبهم في الحياة على الإيجابيات، وإن كانوا يحملون «إبرة» مؤلمة يدافعون بها عن أنفسهم، فيما يركز «الذبابيون» على السلبيات ويقعون عليها، وينقلونها من بيئة إلى بيئة أخرى.
«النحليون» يقدرون الجمال في صوره وأشكاله كلها، وفي ذلك يقول الشاعر في وصف محبوبته:
ما أخطأ النحل إذ أخلى خمائله
فالخد ورد وهذا الشعر أزهار
أما «الذبابيون» فيتضايقون دائما من إخلاص وعطاء «النحليين»، ويحاولون جاهدين تشويه سمعتهم والتقليل من شأنهم، لأن الشفافية والإخلاص يفضحان طبيعة تكوينهم النفسي الرديء.
في الأفق
يقول الشاعر في وصف العسل:
تقول هذا جناء النحل تمدحه
وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما
والحق قد يعتريه سوء تعبير


د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com