قلت له: بالموهبة والتمرين تنجح. لا شيء آخر. خذ النائب أحمد باقر مثالا: لم يكتف بموهبته في الحسد، وإنما صقلها بالقوانين والاقتراحات. عمل لنفسه برنامجا، وواظب عليه. يوم وترك. يوم يحسد ويوم يرتاح. إلى أن وصل لهذه المكانة المرموقة. هو لم يولد وفي فمه ملعقة من حسد. ولم يجد الحسد على قارعة الطريق. لا يا عزيزي، الظلم ظلمات، الرجل كوّن نفسه بنفسه وبطريقة عصامية إلى أن بات الحسود الأول في المستعمرات البريطانية. الله يوفقه! بدأ مسيرته بـ «فكرة حسد صغيرة» والآن ما شاء الله تبارك الله، يمتلك مؤونة سنة وزيادة من أفكار الحسد، موجودة في المخزن، يستخدمها عند الضرورة وغير الضرورة... كل هذا يا سيدي أتى بالموهبة والتمرين.خذني أنا أيضا مثالا: كنت أمتلك من اللغة الانكليزية (بحكم دراسة الهندسة) ما يقيني البرد. لكنني انصرفت عنها، أو قل صرفني الشعر عنها، فغرقت في بحوره: كناية، تشبيه، طباق، سجع، البحتري، جرير، طليع حميدان، الدامور، الجبرتي، المسعودي، الخ، الخ... ثم غادرت الأدب، وركبت القطار المتجه للسياسة، فأعماني دخانها: دستور، اقتراح بقانون، لائحة داخلية، أغلبية عادية، أغلبية خاصة، ضحك على الذقون، ناصر الصانع، صحافة، مانشيت، مقال، الخ، الخ... فانقرضت لغتي الانكليزية. ليتك تسمعني الآن وأنا أتحدث الانكليزية مع موظف استقبال في فندق. لم يعد لدي فرق بين الفاعل والمفاعل. لذا ألّفت مقولة أرددها أمام كل من ينتقد ضعف لغتي: «من الهبل كسر الفعل، إذا كسرت اكسر جُمَل»... كل هذا لأنني لم أمتلك الموهبة ولم أمارس التمارين.دع اللغة والحسد جانبا، أو اتركني واترك باقر، حتى ولو لم يتركك باقر، وهو لن يتركك بإذن واحد أحد... خذ الحكومة مثالا صارخا بأعلى صوت، هل تعتقد بأنها اكتسبت صفة «الطناش» باليانصيب؟ لا يا معلّم، كل نجاح، كما أسلفت، مبني على الموهبة والتمرين... تشتكي بعض الإدارات الحكومية نقص موظفيها، وفي المقابل، تئن ممرات ديوان الخدمة المدنية من زحمة الباحثين عن وظائف، ويصرخ الناس: «إلا الوظيفة، إلا مصدر الرزق يا عمّتنا الحكومة». ولا مجيب. وبعد معارك ومفاوضات، توافق الحكومة على تعيين أربعمئة وافد... كل شيء بالموهبة والتمرين.كان منصتا لحديثي، يستمع وهو يحكّ جبهته، وما أن انتهيت حتى كشف عن أهدافه الخبيثة، وقال بجدية داكنة: عندك مئة سلف؟ / شنو؟ مئة منو؟... أقول عندك مئة دينار سلف، بلا سياسة بلا لائحة داخلية ولائحة خارجية، أنا عندما سألتك «كيف يمكن أن أصبح كاتب مقال»، كان سؤالي مجرد توطئة وفتح باب للحديث، لأنه من غير اللائق أن أقترض منك على الناشف، كان لا بد أن يسبق ذلك حديث ودي، لكنك أدخلتني في باقر واللغة الانكليزية وديوان الخدمة وجرير، فـ «طلع السؤال عليّ أغلى من سعر السوق»... قلت بصوت مخنوق: أقسم برب البيت، أنا تشاءمت منذ أن رأيتك تحك جبهتك. روح عسى الله يولّي أمرك أحمد باقر. استغفر الله العلي العظيم.

محمد الوشيحيalwashi7i@yahoo.com