إن أكثر ما نعاني منه على الصعيد المحلي ناجم عن قصور في فهم وتطبيق علم الذكاء العاطفي «Emotional Intelligence»، كيف؟ إن علم الذكاء العاطفي حسب شرح مؤسسة الدكتور دانيال غولدمان ينحصر في خمسة كفاءات تبدأ بالإدراك/الوعي الذاتي «Self - Awareness»، تعليم ذاتي، حافز ذاتي، التعاطف، وتنتهي بالعلاقات الفعالة وحيويتها في بناء جو مفعم بفهم الفرد لذاته، والمحيط الذي يتحدث ويتصرف في نطاقه، وكان حري بالدولة الاعتناء بجميع أفراد المجتمع من خلال تثقيفهم وتنويرهم ودعمهم، وبسط احتياجاتهم التي يطالبون بها لتكون في متناول الجميع من دون تفرقة أو نقص أو إخلال بالجهات المرتبطة بأي شأن من شؤون حياتنا.إن النواب وصلوا إلى مجلس الأمة، لأن مستوى الذكاء العاطفي لديهم عال، وهو ما دفع الناخبين إلى التصويت لهم، فهم، أي النواب، عملوا بقدراتهم ووضعوا أنفسهم قبل الأقوال والأفعال في مكان الناخبين، وتصرفوا على ضوئها، وهذا أكسبهم قدرة الفوز بتعاطف نصيب كبير من قاعدة الناخبين ليصوتوا لهم.والحكومة من جهتها تنظر إلى القضايا المطروحة من نافذة التكلفة، الضغط النيابي، الضغط السياسي، أو حتى الجانب الشخصي من دون الأخذ بزمام المبادرة في فهم ما يدور في خلجات أنفس السادة النواب.هذا الأمر أوجد حالة عدم اتزان وتفاوت في مستوى الذكاء العاطفي بين الحكومة والنواب الذين يتحدثون بلسان ناخبيهم، ولو راجعنا القضايا لوجدنا أن كلا الفريقين على صواب، ولكن المنهجية والتعامل مع طبيعة ردود الفعل قد أفقد القضايا الكثير من محتواها. ولو أخذنا قضية الخلاف الدائر بين وزيرة التربية نورية الصبيح والسواد الأعظم من نواب مجلس الأمة على أساس الذكاء العاطفي لاتضح الآتي:بالنسبة إلى وكيل وزارة التربية كان على الوزيرة نورية الصبيح فهم ما يدور في ذهن الوكيل الذي يعتبر من الناحية الإدارية، وليس السياسية، المسؤول عن أوضاع وزارة التربية، وعليه كان ينبغي أن تستشعر الوزيرة بشكل علمي صحيح احتياجات أولياء الأمور والمهتمين في حقل التربية والتعليم، وكان يمكنها معرفة ذلك من خلال اللجنة التعليمية بمجلس الأمة، ومن خلال ما ينشر في الصحافة، والذي يبدو أن الوزيرة الصبيح لا تعيره الاهتمام المطلوب، وأيضاً من خلال جمعية المعلمين، ومن ثم تقوم بنقل تلك الاحتياجات والمطالب إلى الوكيل للعمل على تنفيذها والقضاء على السلبيات الظاهرة كي تتجنب المسؤولية السياسية الخاصة بمنصب الوزير.أما جزئية الدكتور غازي الرشيدي فهي بلا شك هفوة كبيرة من جانب الوزيرة، فهي لم تحسن التعامل مع المركز الذي يترأسه الدكتور الرشيدي، وبذلك تكون الوزيرة قد خسرت إحدى الخامات المشهود بكفاءتها.وتعتبر قضية الكتب الجنسية كارثة كونها استفزاز لخصوصية المجتمع، وكان على الوزيرة التعامل معها بشكل فوري، والإعلان من قبلها عن تعاطف شديد مع الآثار السلبية لتلك القضية على المجتمع.وهناك قضايا كثيرة قد تكون الوزيرة، من منظورها الشخصي، محقة في وجهة نظرها فيها، وتحاول قدر استطاعتها تنفيذها، ولكن السؤال هنا: هل تنطبق تصوراتها هذه مع ما ينادي به أعضاء مجلس الأمة وجمعية المعلمين والمختصون في القطاع التربوي؟إن ما حصل يعكس لنا تفاوت المستوى في الذكاء العاطفي، وهذا كعلم قائم نجده حاضراً في جميع الأمور والقضايا التي تشهد شداً وجذباً بين بعض الوزراء والنواب.باختصار يقول عالما الإدارة كن بلانشرد وسبنسر جنسون إن «الناس بخير، وسلوكهم هو المشكلة أحياناً». ومن المرجح أن تنتهي حالة الخلاف بتقديم الوزيرة الصبيح استقالتها، والتجهيز للاستجواب، والأيام المقبلة ستكشف لنا إفرازات الأحداث... والله المستعان.

تركي العازمي

كاتب ومهندس كويتيterki_alazmi@hotmail.com