مع حلول الذكرى الثلاثين للغزو العراقي الغاشم للكويت، يبدو الوضع مختلفاً بين طرفي الحدود، حيث لايزال العراقيون يعيشون تداعيات الكارثة عليهم، التي وصفوها بأنها بداية النهاية لاستقرارهم وأمنهم، فيما تحيي الكويت المناسبة وشعبها يعبر عن فخره واعتزازه بتضحيات أبنائه في سبيل وطنهم ووحدته وسلامته.عراقياً، من بغداد إلى البصرة، ومن كركوك إلى بابل، يجمع العراقيون على أن الغزو، الذي بدأ في الثاني من أغسطس 1990 واحتلال الكويت الذي انتهى في السادس من مارس 1991، بتدخل من تحالف دولي قادته واشنطن «كان بداية النهاية». وتقول أم سارة، وهي مدرسة متقاعدة من بغداد، إنه «منذ غزو الكويت لم نرَ استقراراً ولا أمناً»، إذ إن القائمة تطول بدءاً من الحصار، مروراً بالغزو الأميركي والحرب الأهلية والعنف الطائفي، وصولاً إلى اجتياح تنظيم «داعش» للبلاد.وقد بدأ كل شيء بعد أربعة أيام من دخول القوات الغازية إلى الكويت، فقد أعلنت الأمم المتحدة حينها حصاراً لم يخرج منه العراقيون إلا بعد غزو الأميركيين للبلاد في العام 2003 وإطاحة نظام صدام حسين. والدينار العراقي الذي كانت قيمته يوماً تساوي ثلاثة دولارات، انقسم على تسعة آلاف. وراتب جاسم محمد، المدرس في مدينة الكوت جنوب بغداد، كان يساوي «سعر دجاجة في السوق». ولذلك، في بعض الأيام «أكلنا كل شيء في الحصار، حتى أعلاف الحيوانات حولناها إلى غذاء»، وفق ياسر الصفار الذي يبلغ من العمر 44 عاماً وكان شاهداً على سنوات الحصار.ويشيرجاسم محمد في تصريح لوكالة «فرانس برس» إلى أن «الحصار غيّر أخلاقيات المجتمع، وكان الخطوة الأولى لخلق الفساد المالي والإداري في البلد»، الذي يحتل مراتب متقدمة اليوم في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم.أما هشام محمد فقد عايش مرحلة تدني المستوى الطبقي لوالده، الذي كان من أهم مستوردي معدات البناء. ويقول محمد البغدادي الخمسيني «بعد دخول العراق في حصار شديد وانهيار العملة وتوقف الاستيراد بشكل تام، فقد والدي عمله التجاري وكل الأموال التي كانت لديه نقداً، قرابة مئة ألف دينار، أي ما كان يساوي ثلاثة ملايين دولار، وصارت فجأة بلا قيمة».وازدهرت حينها طبقات أخرى من المجتمع، وهي طبقة الـ«جُد بالموجود» أو «تدبّر نفسك»، وهم أولئك الذين كانوا يعرفون كيفية تجديد إطار مثقوب، أو تحويل توربينات من دون قطع غيار، والذين أعادوا استخدام قناديل الكاز بغياب الكهرباء، أو استخدام الثياب البالية لمئات المرات.أما الجيش، فقد خسر كل شيء، وعلى مرأى من كاميرات العالم أجمع الذي كان يواكب «عاصفة الصحراء»، أولى الحروب المنقولة مباشرة على الهواء. ورأى سرمد البياتي، الذي كان ضابطاً في تلك الحقبة، جنوداً يعودون إلى العراق مشياً! وبمجرد عودتهم «كانوا يمتهنون أعمالاً صغيرة أثناء الإجازة لتغطية نفقاتهم».ومع غرق العراق في الركود الاقتصادي، ازدهرت الكويت. لكن ذوي الشهداء مازالوا يستذكرون أبناءهم وآباءهم، ولا يزال الأسرى الاحياء يتحدثون عن التعذيب، كما أنه في الصيف الماضي، أعيدت إلى الكويت رفات عثر عليها في مقابر جماعية في جنوب العراق.عائلة أحمد قبازرد، أحد وجوه «المقاومة الكويتية» الذي تعرض للتعذيب وأعدم، قامت بتحويل المنزل الذي دمره العراقيون جزئياً، إلى متحف صغير لأهوال الاحتلال. ورغم إعادة بناء المنزل اليوم، تقول ابنته شروق التي كانت في السابعة من عمرها وقتذاك «لا أستطيع أن أقول إنني متصالحة مع نفسي في مشاعري مع الشعب العراقي، ولكن هذا ليس ذنبهم. لقد اكتشفنا بعد سنوات أن العراقيين كانوا يعانون من القمع وعانوا من الطاغية صدام حسين».من جانبها، شعرت غيداء العامر أيضاً بـ«فرحة» عند سقوط نظام صدام حسين في العام 2003. فقبل 20 عاماً من ذلك اليوم شنقت أختها وفاء «بواسطة سلك كهربائي بعدما اعتقلتها القوات العراقية بسبب انضمامها للمقاومة الكويتية».وقد سجلت الكويت كل الدمار وعمليات القتل والتعذيب والسجن، وحددت خسائرها، وقدمت الأمم المتحدة الوثائق إلى العراق. وخلال ثلاثين عاماً، دفعت بغداد 51 مليار دولار، ولا يزال العراق، الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه اليوم، مديناً بنحو أربعة مليارات دولار للكويت، فيما استغرق إصلاح العلاقات بين البلدين 20 عاماً. ولم ترفع الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها في العام 1990، إلا في العام 2010، أي بعد سبع سنوات من سقوط صدام حسين.أما المفقودون، فلا يزالون بالآلاف من الجانبين. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم تتم إعادة سوى 215 كويتياً و85 عراقياً.لكن بالصورة الكبرى، تحسنت العلاقات بشكل كبير بين البلدين. وفي العام 2018 استضافت الكويت مؤتمراً للمانحين لإعادة بناء العراق، وكانت أول من ساهم بمبلغ ملياري دولار. لكن شروق قبازرد تلفت إلى أنه «لا يمكن أن أنسى الغزو». وتضيف «الغزو يعتبر أهم مرحلة بالنسبة لجيلي... يمكن أن نتسامح ونتصالح، لكن لا يمكن أن ننسى ما حصل». (ا ف ب)
محليات
رغم مرور 30 عاماً ما زالت بلاد الرافدين تعيش نتائجه الكارثية
الغزو بعيون عراقية... بداية نهاية الاستقرار
07:11 ص