كشفت دراسة إحصائية تنبؤية موسعة شملت الكويت و194 دولة أخرى عن أن هناك تراجعات مستمرة في معدلات الخصوبة الإنجابية على نطاق واسع عالمياً، وأن التوقعات المبنية على تلك التراجعات تشير إلى أن إجمالي تعداد سكان العالم سيواصل النمو حتى يصل إلى ذروته في العام 2064 عند نحو 9.7 مليار نسمة تقريباً، ثم يبدأ في الانخفاض تدريجياً بعد ذلك حتى يهبط إلى أقل من 8.8 مليار نسمة بحلول العالم 2100، وهو الرقم الذي يقل بمليار نسمة عن تقديرات سابقة.الدراسة التحليلية التي حملت عنوان «سيناريوهات مُعدَّلات الخصوبة الإنجابية والوفيات والهجرة وتعداد السكان» أجراها معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) التابع لجامعة واشنطن والمتخصص في البحوث العالمية، ونشرت نصها الكامل مجلة «لانسيت» عبر موقعها الإلكتروني، قبل يومين. ووفقاً لنص الدراسة التي ارتكزت على رصد الانعكاسات المتوقع لها أن تنجم عن أعباء تفشي الأوبئة وموجات الهجرة ومعدلات الخصوبة والوفيات على مستوى دول العالم، فإنه من المتوقع لتعداد سكان معظم دول العالم، بما في ذلك الكويت، أن يتخذ مساراً تراجعياً (أي بالسالب) بعد العام 2100. وفي ما يتعلق بالكويت تحديداً، توقع التقرير أن يواصل تعداد سكانها (من المواطنين والوافدين) نموه ببطء بحيث يصل في العام 2064 إلى 4.67 مليون نسمة، لكن ذلك التعداد سيبدأ في التراجع تدريجياً بعد ذلك حتى ينخفض إلى 4.15 مليون نسمة بحلول العام 2100، ثم يبدأ النمو السكاني الكويتي في سلوك مسار نزولي من المتوقع له أن يأخذ تعداد السكان إلى ما دون 4 ملايين نسمة.وبتعبير آخر، فإن هذه التوقعات تعني أن معدل نمو سكان الكويت سيسير في الاتجاه السالب (أي تحت الصفر) بعد العام 2100، وبالتالي فإن ذلك سيعني نقصاناً وتراجعاً تدريجيا لعدد السكان الذين يعيشون على أرض الدولة سواء كانوا مواطنين أو وافدين. وفي ما يخص معدلات الخصوبة الإنجابية (التكاثرية) في الكويت، جاء في التقرير أن ذلك المعدل كان 1.42 سنوياً في المئة العام 2017 وأنه سيتصاعد ببطء وصولاً إلى 1.47 حتى العام 2064، قبل أن يبدأ في التراجع ليهبط إلى 1.44 بحلول العام 2100 ثم إلى الاتجاه النزولي بعد ذلك.المسار المتوقع لصعود وهبوط تعداد سكان الكويت حتى العام 2100 بدا منسجماً ومتماشياً نسبياً مع توجهات المسار العام للتعداد العالمي الذي يبلغ حالياً 7.7 مليار نسمة تقريباً، وتوقعت الدراسة له أن يصل إلى ذروته في العام 2064 أيضاً بنحو 9.8 مليار نسمة، ثم يبدأ النمو في التراجع حتى ينخفض التعداد إلى 8.78 مليار نسمة بحلول العام 2100 ثم يبدأ في اتخاذ مسار سلبي بعد ذلك ليهبط بتعداد سكان العالم إلى نحو 6.3 مليار نسمة، أي أقل بأكثر من مليار نسمة مقارنة بالتعداد الحالي.على صعيد التحليلات التفصيلية، تشير إحصائيات الدراسة إلى أنه من المتوقع لذلك التراجع العالمي في معدلات الخصوبة الإنجابية أن يؤدي إلى إحداث تغييرات دراماتيكية في «نسيج» تركيبات المجتمعات في معظم الدول بعد العام 2100، بما في ذلك انكماش تعداد السكان باطراد توازياً مع انكماش أعداد قوة العمل المنتجة، وتساوي عدد المواليد الجدد مع أعداد المسنين الذين يبلغون سن الثمانين.

انخفاض وارتفاعووفق الدراسة، سيشهد أكثر من 20 بلداً، بينها اليابان وإسبانيا وإيطاليا وتايلند والبرتغال وكوريا الجنوبية وبولندا، انخفاضاً في عديد سكانها بمقدار النصف على الأقل.كما سينخفض عدد سكان الصين بمقدار النصف تقريباً، من 1،4 مليار نسمة اليوم إلى 730 مليوناً خلال 80 عاماً.في الوقت نفسه، سيرتفع عدد سكان أفريقيا جنوب الصحراء بنحو ثلاثة أضعاف إلى نحو ثلاثة مليارات شخص، مع توسع نيجيريا وحدها إلى ما يقرب من 800 مليون في العام 2100، لتحل في المرتبة الثانية بعد الهند الذي سيبلغ سكانها حينها 1،1 مليار نسمة.

خطر حقيقيوقال مدير «معهد القياسات الصحية والتقييم» في واشنطن كريستوفر موراي، الذي أشرف على الدراسة لوكالة «فرانس برس» إنّ «هذه أنباء سارّة للبيئة.. ضغط أقلّ على نُظم إنتاج الغذاء وانبعاثات أقلّ من ثاني أكسيد الكربون، مع فرص اقتصادية كبيرة لأجزاء من أفريقيا جنوب الصحراء».لكنه تابع أنّ «معظم البلدان خارج أفريقيا ستشهد تقلص القوى العاملة وانقلاب هرم أعمار السكان... وهو ما سيكون له تداعيات عميقة وسلبيّة على الاقتصاد وتنظيم العائلات والجماعات والمجتمعات».وحذّر موراي من أنه «على الرغم من انخفاض عدد السكان هناك خطر حقيقي يتمثل في أن بعض الدول قد تفكر في سياسات تقيد الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وهو ما سيكون له عواقب مدمرة محتملة».

تحديات كبيرةووجدت الدراسة أنه مع انخفاض الخصوبة وزيادة متوسط العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم، من المتوقع أن ينخفض عدد الأطفال دون سن الخامسة أكثر من 40 في المئة، من 681 مليوناً في العام 2017 إلى 401 مليوناً في العام 2100.وعلى الجانب الآخر، سيكون 2.37 مليار شخص يعدون أكثر من ربع سكان العالم، أكبر من 65 عاماً بحلول ذلك الوقت. وسيقفز عديد من تزيد أعمارهم عن 80 عاماً من 140 مليوناً اليوم إلى 866 مليوناً.كما سيؤدي الانخفاض الحاد في عدد ونسبة السكان في سن العمل إلى تحديات كبيرة في العديد من البلدان.وأشار الأستاذ في معهد القياسات الصحية والتقييم ستاين إميل فولسيت إلى أن «المجتمعات ستكافح من أجل النمو مع عدد أقل من العمال ودافعي الضرائب».

عالم جديد متعدد الأقطاب وتنبأ الباحثون بأن هذه التحولات السكانية ستعيد ترتيب النفوذ الاقتصادي. وتوقعوا أنه بحلول العام 2050، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين سيتفوق على الولايات المتحدة، لكنه سيعود إلى المركز الثاني بحلول العام 2100.وسيرتفع إجمالي الناتج المحلي للهند ليحتل المرتبة الثالثة، بينما ستبقى اليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ضمن أكبر عشرة اقتصادات في العالم.ومن المتوقع أن يتراجع ترتيب البرازيل من المركز الثامن راهناً إلى الثالث عشر، وروسيا من المركز العاشر إلى الرابع عشر.كما سيتراجع ترتيب القوتين التاريخيتين إيطاليا وإسبانيا من موقعهما في ضمن أكبر 15 اقتصاداً إلى 25 و28 على التوالي.ويمكن أن تصبح إندونيسيا ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، بينما من المتوقع أن تصل نيجيريا - الثامنة والعشرون حاليًا - إلى أحد المراكز العشرة الأولى.وقال ريتشارد هورتون إنها «تحولات جذرية في القوة الجيوسياسية»، موضحاً أنه بحلول نهاية القرن سيكون العالم متعدد الأقطاب وستكون الهند ونيجيريا والصين والولايات المتحدة هي القوى المهيمنة.

تعارض مع أرقام الأمم المتحدةوتتعارض هذه الأرقام مع تلك التي توقّعتها الأمم المتّحدة في آخر تقرير لها، إذ إنّها توقّعت أن يرتفع عدد سكان الأرض من 7،7 مليارات نسمة حالياً إلى 8،5 مليار في العام 2030 و9،7 مليار في العام 2050 و10،9 مليار في العام 2100.ويرجع الفارق بين أرقام الأمم المتحدة ومعهد القياسات الصحية والتقييم في شكل حاسم إلى معدلات الخصوبة.ويبلغ أفضل «معدل استبدال» لاستقرار السكان 2،1 ولادة لكل امرأة. وقال موراي إن حسابات الأمم المتحدة تفترض أن البلاد ذات الخصوبة المنخفضة اليوم ستشهد ارتفاعاً في هذه المعدلات في المتوسط إلى نحو 1،8 طفل لكل امرأة بمرور الوقت.وأضاف «يشير تحليلنا إلى أنه مع زيادة تعليم النساء والحصول على خدمات الصحة الإنجابية فإنهن يختارن إنجاب أقل من 1،5 طفل في المتوسط».وتابع أن «استمرار النمو السكاني العالمي خلال هذا القرن لم يعد المسار المرجح لسكان العالم».غير أنّ موراي لفت إلى أنّ هذه الأرقام «ليست ثابتة» بل هي توقّعات ويمكن أن تتغيّر في العديد من الدول بتغيّر السياسات فيها.يشار إلى أن «معهد القياسات الصحية والتقييم» هو مؤسسة مرموقة أسست في العام 2007 تموّلها منظمة بيل وميليندا غيتس، وأصبح مرجعاً في مجال الدراسات العالمية التي تتعلّق بالصحّة العامّة.