في عام 1979 أردنا في المنظمة العربية في جامعة أوهايو في الولايات المتحدة تنظيم ملتقى لدعم القضايا العربية واستضفنا أستاذاً كبيراً في التاريخ الإسلامي، وبعد المحاضرة أمطره الحضور بأسئلة كثيرة حول تقاعس الأميركان مع قضايانا العربية، فقال: ولماذا تلومون الأميركان وحدهم ولا تلومون أنفسكم على تقاعسكم عن خدمة قضاياكم العادلة؟! لقد أرسلت إلى 22 سفارة دولة عربية أطلب منها أفلاماً وكتيبات تشرح قضايا العرب لأعرضها على طلبتي، فلم يجبني أي من تلك السفارات بينما أمطرتني السفارة الإسرائيلية بعشرات الكتب والأفلام والمنشورات عن إسرائيل.
لا شك أن ذلك هو واقعنا الأليم، فنحن دائماً نتحجج بقلة الامكانات وعجزنا عن مواجهة أعدائنا بينما الخراب كله ينطلق من عندنا، فإسرائيل قد استطاعت بمكر ودهاء أن تقنع العالم بعدالة قضيتها وأنها تقاتل من أجل البقاء في محيط متوحش يريد أن يبيدها، بينما يتفنن حكامنا في تصريحاتهم النارية حول إبادة إسرائيل وإلقائها في البحر فتزداد قوة وجبروتاً، وتكسب تعاطف العالم معها.
لقد أخذ اليهود بجميع أسباب القوة منذ تأسيس دولتهم فتفوقوا في مجال التصنيع وأصبحت دولتهم من أكبر الدول المصنعة والمصدرة إلى العالم، وكذلك طوروا الزراعة على الأراضي المسروقة وسرقوا مصادر المياه حتى أصبحت دولتهم من الدول المشهورة بالزراعة، ثم لم يتركوا المجال العسكري من ناحية تسليح أنفسهم إضافة إلى الصناعات العسكرية المتطورة، فالشعب الإسرائيلي تقريباً جميعه منخرط في السلك العسكري الرسمي أو الاحتياط.
أما في مجال الصراع الثقافي فهو لا يقل عن المجال العسكري، فهم يحققون الكتب ويترجمون كل ما يحتاجونه، حتى ان الجامعة العبرية تحقق كتباً أكثر من جميع الجامعات العربية، والأرشيف العثماني في تركيا فيه عشرة باحثين يهود ولا يوجد به عرب، وأما في مجال الجاسوسية والاستخبارات، فاليهود هم الأكثر تنظيماً وخديعة، وهم يرصدون كل ما يُكتب عنهم ويردون عليه.
ومع هذا فاليهود يستخدمون المكر والخديعة في جميع أعمالهم فقد أوهموا العالم بأنهم قد أعطوا الفلسطينيين حقوقهم بينما سلموهم الضفة والقطاع اللذين يمثلان 4 في المئة فقط من مساحة فلسطين، ثم مزقوا الضفة بالجدار العازل الذي اقتطع أكثر من ربع مساحتها، بطريقة خبيثة تضمن لهم الاستيلاء على 75 في المئة من مصادر المياه، ثم زرعوا الضفة بـ 8 آلاف مستوطن يهودي و775 حاجزاً يحتاج الإنسان إلى ساعات للتنقل بين أماكنها، فهي سجن كبير لـ 750 ألف فلسطيني.
يخبرني أحد الأخوة أنه قد سمع من (سلام فياض) رئيس الوزراء المعين من محمود عباس يقول: (لماذا يدمر اليهود كل مقوماتنا في الضفة مع اننا أعطيناهم كل ما يريدون؟!)، كما أغلق اليهود كثيراً من المؤسسات الخيرية في الضفة.
أما في غزة فلا شك أن اليهود قد انسحبوا منها لأنها تشكل لهم حقل ألغام ولكنهم لا يترددون لحظة في غزوها كلما أرادوا إضعاف شعبها وتدميره، يقول (ايهود باراك) وزير الدفاع الإسرائيلي: (إن لم تشغل الشعب بالفوضى وتدمير مقدراته لا يمكنك حكمه).
أما (هليل كوهين) فيقول في كتابه (جيش الظلال): (لقد سعينا لايجاد حكومة كرزاي في فلسطين ولكن لم نستطع، ومازال سعينا دائبا لتحقيق ذلك).
ولعلنا نستعرض في مقالنا الأخير طرق التصدي للغطرسة اليهودية بإذن الله.


د. وائل الحساوي
wae_al_hasawi@hotmail.com