أما وقد حضر الحظر، والذي يبدو وكأنه آخر الحلول، وآخر العلاج الكي، لمواجهة مرض لا علاج له إلا التباعد، فلم نبتعد، بل إن التباعد زاد بعضنا تقارباً حتى اكتوينا، ولسان حالنا «احنا ما ملينا من قعدة البيت، احنا ملينا من الناس اللي للحين مو راضية تقعد في البيت».تارة الحكومة تتعب والشعب يلعب، وتارة الشعب يتعب والحكومة تلعب، فالحكومة فقدت السيطرة على الشعب والشعب فقط السيطرة على أعصابه فكيف سنسيطر على الفيروس؟نحن لا نعاني من أزمة وعي قدر ما نعاني الحالة اللا اكتراثية، فتبنينا طلبات ونقصات وتوصيلات لا تتصل بالعقل ولا بالمنطق، والابن لا يبالي بنفسه، فيذهب إلى الجمعيات التعاونية من أجل «فلفل بو ديچ» أو «نسكافيه ثري ان ون» بحماس «المدمن الذي تناول المصل كله في انتظار أن ينتشي أو يموت أو الذي يقامر بكل ماله في انتظار الربح أو الخسارة»، مغامرات غير محسوبة تتكرّر نهاراً جهاراً، حوّلت الجمعيات إلى بؤر يعود بعدها الأبناء إلى أمهاتهم، والأم غير المكترثة تزيد تقارباً مع ابنها، كلما ازداد خروجه من البيت، الذي يتناسب طردياً مع تردّده عليها، فمعظم الأبناء، يربطون بين ترخيص الجمعية وزيارة «نبع الحنان» و«نبع الجهل» يفيض!إلى جانب الصراع الأزلي بين المجتمع الكويتي والمجتمعات الوافدة فيه، بات جلياً التباين الكبير بين المجتمعات الكويتية في المجتمع الكويتي الواحد، باختلاف الظروف التي كشفها «كورونا» وعدم إدراك المجتمعات المتعددة داخل المجتمع الواحد ظروف بعضها البعض، فكل يقيس وضع الآخر بحسب وضعه هو، ناسياً أو متناسياً أن مثلما هناك كويتيون يسكنون في بيوت ثلاثة أدوار وسرداب وحوش ساقط وارتداد وحمام سباحة وبلكونات، هناك كويتيون يسكنون في شقق ضيّقة في عمارات أضيق في شوارع أشد ضيقاً، ومثلما هناك كويتيون يمارسون الحجر المنزلي في شاليهات مطلة على البحر، هناك كويتيون يعيشون في صناديق خرسانية وحوائط أسمنتية تتخللها فتحة في الجدار لا ترى بالعين المجردة جلوساً تتخللها القضبان الحديدية وقوفاً.ومثلما هناك مَن يمتلك خمسة فريزرات وست ثلاجات لتخزين احتياجات عشر أسر في عشرين يوماً، هناك مَن لا يملك رفاهية التخزين لأكثر من أسبوع، ومثلما هناك من لديه سائقان وربما ثلاثة لجلب احتياجاته من الجمعية في أي وقت، هناك من يستثقل الذهاب إلى الجمعية هلعاً، وحتى مقياس الهلع يتفاوت بين مَن يخاف المرض ومَن يخاف نقص الكماليات، وبين من يستخدم ترف التطبيقات الإلكترونية لتدبير أموره، وبين مَن يعجز عن استخدام الواتساب للطوارئ، ورغم الاختلاف والتباين الكبير يجمعهم فيروس واحد لا يفرّق بينهم رغم الفارق الكبير!أما بعد، ماذا بعد الحظر؟الذي لم يغيّره «كورونا» لن يغيّره شيء، وما لم ننتصر على الفيروس الذي أهلكنا مادياً وصحياً، سيقضي بعضنا على بعضنا الآخر، وبعد أن يقضي عليه سيقضي على نفسه، لأن شعار المرحلة «يا نعيش سوا يا نموت سوا»، ولا سبيل للنجاة إلا بالحظر وها هو قد حضر فماذا أحضرنا له؟