من خلف ضوضاء السياسة التي تنزلق إلى شِباكها خطةُ الإصلاح المالي والاقتصادي التي تتراجع تباعاً «مرتبتها» من برنامج تعافٍ إلى «ورقة - إطار»، عاد فيروس كورونا المستجد إلى الضوء عبر موجةِ إصاباتٍ من 34 حالة شكّلت الحصيلةَ الأقسى منذ أسابيع، وإن كان تَركُّز 33 منها بين المغتربين العائدين ضمن عملية الإجلاء من دول الانتشار خفّف من وقْعها المخيف.وشكّلتْ الإصابات الـ34 التي جاء 25 منها لركابٍ عادوا على متن طائرة واحدة آتية من نيجيريا (والـ8 الباقون من قطر، الامارات والسعودية) جرس إنذارٍ للسلطات اللبنانية لجهة الحاجة إلى تقويمٍ سريع لمسارِ إجلاء المنتشرين وإذا كان ارتفاع عدّاد الحالات الإيجابية بينهم في اليومين الماضيين يستدعي تعليقاً موقتاً للرحلات أو اعتماد استراتيجيات جديدة لنقل اللبنانيين من بعض الدول خشيةَ أن تحمل هذه العملية إطلاقاً مبّكراً للموجة الثانية من الإصابات، بما قد يشكّل ضغطاً مُرْهِقاً للنظام الصحي الذي يعيش حالياً ما يشبه «الاستراحة» في الحالات المسجّلة داخلياً والتي ما زالت تراوح منذ أيام بين الصفر والإصابة الواحدة. وفي موازاة اتجاه الأنظار إلى حركة الإجلاء عبر مطار رفيق الحريري الدولي، استقطب الاهتمامَ مسارُ العودة عبر الحدود السورية - اللبنانية التي شهدت أمس وفي المرحلة الثانية من فتْحها دخول نحو 200 مواطن عبر معبريْ العبودية والمصنع الذي عَبر منه أيضاً عشراتُ الأميركيين (من أصول عربية) بإشراف السفارة الأميركية انتقلوا في باصاتٍ مباشرة إلى مطار بيروت حيث كانت بانتظارهم طائرة أقلّتهم إلى الولايات المتحدة.كما برزت على تخوم «العودة البرية» معلوماتٌ أوردها تلفزيون «المؤسسة اللبنانية للإرسال» عن منْع السلطات السورية خروجَ خليجيين من أراضيها بحجة عدم تواصل دولهم مع دمشق. وجاءت «صحوة كورونا» الذي «لم يقُل كلمته النهائية بعد» لتُثْقِل المشهدَ اللبناني المأخوذ بخطة الإصلاح التي تَقَدّم لبنان على أساسها بطلب مساعدة من صندوق النقد الدولي والتي تسير بخطى ثقيلة نحو الوصول إلى صيغة نهائية لها ستبقى رهن ما قد يطلبه الـIMF من تعديلاتٍ عليها ناهيك عن عملية «التمحيص» التي تخضع لها في جلسات لجنة المال النيابية وما يتخلّلها من تبلْور ملاحظات واعتراضات على مضامين جوهرية فيها تتناول خصوصاً القطاع المصرفي واحتساب خسائره.وتأتي المناخات النيابية التي تعبّر عن اتجاهاتٍ غير متساهلة مع الخطة، وحتى من نواب يمثّلون كتلاً أساسية مشارِكة في الحكومة، لتُلاقي الأجواء السياسية المحتدمة التي أصاب وهجُها «اللقاء الوطني» الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون رؤساء الكتل النيابية والذي جاء هزيلاً على مستوى الصورة الجامعة التي أريد تظهيرها لجهة وجود الائتلاف الحاكِم الراعي للحكومة والمعارضة على طاولة واحدة وفي صف واحد خلف الخطة، وهو ما ضربتْه مقاطعة غالبية خصوم الحكومة ليشكّل «الإنزالُ» الذي عبّرت عنه مشاركة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع خطوةً أرادها وفق حساباته لإصابة «عصافير عدو» ولكن من دون أن يغرّد خارج سرب «صلب المعارضة لسياسات العهد».وفيما كان لقاء بعبدا يخضع لعملية تقويمٍ لحسابات الربح والخسارة التي راوحت بين اعتبار المعارضة أن العهد لم ينجح من خلالها في تلميع صورته واستدراج خصومه إلى تغطية تقنية - سياسية لخطة «حكومة اللون الواحد» التي لم يكن لهم أي دور في حرفٍ منها، وبين تأكيد مصادر القصر «أن الاجتماع وفّر التغطية المطلوبة لخريطة الطريق لإخراج البلاد من المأزق الذي تدحرجت إليه»، لم يكن ينقص المسرح السياسي المحتقن سوى استحضار انقسامي، عمودي وأفقي، لأحداث 7 مايو 2008 التي نفّذ فيها «حزب الله» عمليته العسكرية في بيروت وحاول دخول الجبل، وهي العملية التي أتاحت انتزاعه «بالقوة» أول عنصرٍ كاسِر للتوازنات في نظام الطائف شكّله الثلث المعطّل بعنوان «فيتو» مذهبي.وفيما اجتاح هاشتاغ «7 مايو يوم مجيد» موقع تويتر ليقابله «7 مايو يوم عار»، لم يتوانَ تيار «المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) عن اعتبار وبلسان أمينه العام أحمد الحريري (عبر «تويتر») أنه «في مثل هذا اليوم قبل 12 عاماً اجتاحت بيروت ومناطق في الجبل هجمة ميليشياوية مسلّحة لا تغيب عن ذاكرة اللبنانيين»، وأضاف «تحية للشهداء الذين سقطوا بالسلاح غير الشرعي ولأبناء بيروت الأوفياء خط الدفاع الأول عن الدولة والعيش المشترك».وفيما كان مجلس الوزراء يعقد جلسةً في السرايا برئاسة حسان دياب، كان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر يطلّ مجدداً على الواقع اللبناني من زاوية الخطة المالية وطلب مساعدة صندوق النقد، مؤكداً «أن لبنان يواجه تحديات كبيرة، وواقع الأمر أن الحكومة استطاعت المضي قدماً وقدّمت طلب المساعدة لصندوق النقد، ونحن نعتبر أن هذه خطوة إيجابية لكن العبرة بالتطبيق».
وأوضح رداً على سؤال حول الإجراءات التي ستراقبها واشنطن لدعم خطة الحكومة وطلب المساعدة «ان ما نبحث عنه هو نوع الإصلاحات الهيكلية التي ستغيّر الطبيعة الأساسية لكيفية عمل الاقتصاد اللبناني».وكان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش كشف أنّ «سفراء مجموعة الدعم الدولية والبنك الدولي بحثوا خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي بالتفصيل بالإضافة إلى الإشكاليات التي تعوق إصلاح قطاع الكهرباء وتدهور الوضع الاجتماعي في لبنان واطّلعوا على مجريات جلسة مجلس الأمن التي عقدت الإثنين حول القرار 1701 بما في ذلك انتهاكات القرار وعدم تطبيقه».