لا نعتقد أن الجوهر والمنظر شيئان منفصلان انفصالاً تاماً، بل بينهما علاقة تأثر وتأثير وأخذ وعطاء، ولكن تكمن المشكلة في اختلال التوازن بين الجوهر والمنظر، أو بين المضمون والشكل، فالناس متفقون على أن اللب هو الأصل والنواة التي ينبغي أن تُعطى من الاهتمام والعناية القسط الأكبر لأن كل الإنجازات الحقيقية التي تتم على السطح نابعة أساساً من إنجازات تمت على مستوى الكينونة والجوهر. والعناية بالجوهر في شهر الخيرات تقوي كثيراً من الجوانب وأهمها الجانب الأخلاقي. نحن ننظر إلى الأشياء ونعجب بجمال الأجسام، وننبهر بفصاحة اللسان، وقد تكون هياكل فارغة، وأشباحاً بلا أرواح، وأجساماً بلا أحلام... هنا نتوقف لنتمعّن بمسألة في حياة الإنسانية عامة، وهي قضية العلاقة بين الشكل والمضمون، أوالجوهر والمظهر. ونعني هنا بالجوهر: مجموع الخصائص والصفات الخُلُقيّة والنفسية والصور الذهنية، والخبرات والموازنات العميقة للفرد. أما المظهر: فهو مجموع ما يحمله الفرد من الصفات الجسمية، وما يمتلكه من الأشياء، وما يَشْغَله من وظائف، مما لا يُعد له صلة مباشرة بكينونته الذاتية. ومضى رمضان 2019 وما زال هناك أشخاص لا يهتمون بالجوهر الذي من سماته الأساسية الاستقلالية، والحرية، واستثمار للطاقة الإنسانية، والنمو، والتدفق، فكان من عواقب الاتجاه إلى الشكل والتغافل عن المضمون كثرة المشتهيات والمغريات، وانعدام السعادة بشهر الخيرات والرحمات! وكل هذه التحولات باتجاه الشكليات جعلت المجتمع يفقد الصلة بمكوناته الأساسية، ويختل التوازن، وتكثر المشكلات والخلافات حتى في شهر الخيرات، وفقدنا جوهر وعمق معنى الصيام، فلنراجع أنفسنا ولا نجعل رمضان 2020 يمضي كما مضى رمضان 2019 وغيره من رمضانات، ونتعاهد مع أنفسنا ونكون أصحاب رسالة حضارية متوازنة بين شكلها ومضمونها.

M.alwohaib@gmail.com@mona_alwohaib