تاريخ صدور مرسوم بالقانون رقم 21 لسنة 1979 بشأن الدفاع المدني، يوحي أن الغرض منه هو حماية المدنيين والمرافق المدنية من أخطار الغارات الجوية وغيرها من الأعمال الحربية والتخريبية، وتخفيف آثارها عند وقوعها. إلّا أن المادة الأولى من القانون تبيّن أن منظومة الدفاع المدني الكويتية تتضمن حالات وأغراضاً أكثر وأشمل، من بينها الكوارث العامة كالأوبئة. لذلك الدور المنوط بالإدارة العامة للدفاع المدني - ضمن منظومة التصدي لجائحة كورونا المستجد - بدأ قبل ظهور الجائحة. وهو دور كبير ومتشعّب ويمكن فرزه ضمن مجموعتين: الأولى تتضمن قائمة طويلة من تدابير الحماية المدنية الواردة في القانون كتدريب المتطوعين وإنشاء وتهيئة غرف عمليات الدفاع المدني، والمجموعة الثانية مرتبطة بكون الإدارة بمقام أمانة عامة للجنة العليا للدفاع المدني، التي يترأسها وزير الداخلية وتضم ممثلين - بدرجة وكيل وزارة مساعد وأعلى - عن الوزارات والجهات المعنية، وتختص بالتنسيق بينها حول خطط وتدابير الدفاع المدني.من بين أبرز إنجازات هذه الإدارة، برامجها التدريبية المتنوعة المستمرة على مدى سنوات طويلة، التي أهّلت الكثير من المتطوعين لإدارة المرافق الحيوية بالدولة وقت الأزمات والكوارث. ومن بين نماذجها، البرنامج التدريبي للمشروع الوطني «جاهز» بمشاركة وزارة الدولة لشؤون الشباب ومؤسسة البترول الكويتية وشركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية وبلدية الكويت. والدفعات الأولى من مجتازي هذا البرنامج كانوا جاهزين لمباشرة مهامهم التطوعية قبل الجائحة.بعد مرور ما يقارب الأربعين سنة على اصدار قانون الدفاع المدني، أثبتت جائحة كورونا ضرورة تطوير القانون ومنظومة الدفاع المدني الكويتية. وبالفعل قدّم النواب الدلال والشاهين والحجرف والعتيبي وعبدالله فهاد قبل سنتين اقتراحا بقانون في شأن إنشاء جهاز إدارة الأزمات والكوارث. وبالرغم من إيجابيات المقترح، إلا أن التطوير المطلوب يفترض أن يكون أشمل وأعمق. ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى ثلاثة محاور للتطوير. الأول هو منح صلاحيات رقابية للجنة العليا للدفاع المدني على الجهات المعنية بتوفير الأمن الشامل لمجابهة الكوارث (كالأمن النظامي والغذائي والصحّي والصناعي) للتحقق من درجة التزامها بمهامها، قبل وقوع الكارثة. فعلى سبيل المثال، تراقب اللجنة العليا كفاءة وزارة التجارة وهيئة الزراعة والثروة السمكية في تحقيق الأمن الغذائي، وترفع تقريراً دورياً بذلك الشأن إلى مجلس الوزراء.المحور الثاني مرتبط بمواكبة منظومة الدفاع المدني الثورة التكنولوجية والطفرة المعرفية والقفزة في أعداد وتخصصات الخبراء الكويتيين، خلال الأربعين سنة الأخيرة. فعلى سبيل المثال، لدينا خبراء تخطيط استراتيجي قادرين على توظيف منهجيات وخوارزميات وتكنولوجيات حديثة من أجل تنمية قدرتنا في استشراف المسارات المستقبلية المحتملة للجائحة، وفي استقراء تبعات وآثار تطبيق قرارات وإجراءات مقترحة (كالعزل المناطقي) على تلك المسارات وعلى كفاءة إدارة أزمة الجائحة. لذلك هناك حاجة لتقنين قنوات لاستثمار تلك الخبرات الوطنية.وأما المحور الثالث، فهو متعلق بتعزيز تماسك الجبهة الداخلية من خلال بعدين: الأول مكافحة الاشاعات، والثاني التصدّي لخطابات الكراهية وكل ما من شأنه زعزعة الجبهة الداخلية. وجبهتنا الداخلية إبان الجائحة الحالية غير مقتصرة على المواطنين بل تتضمن المقيمين أيضا. لذلك يفترض أن تتضمن برامج تدريب المتطوعين - المواطنين والمقيمين - لرصد ومكافحة الاشاعات وخطابات الكراهية. فبالرغم من الاستعدادات الحكومية المسبقة وتفوقها في إدارة أزمة الجائحة وفق العديد من الموازين، إلا أنها كانت غير مستعدة للتصدي لموجات زعزعة جبهتنا الداخلية، ومتهاونة في احتوائها. خطابات الكراهية تُولد شعوراً بالعداء وتُفاقم الضغوط النفسية لدى طرفي تلك الخطابات، وقد تؤدي لا سمح الله إلى حالات من العصيان المدني. فلنتصدَ بحزم لتلك الخطابات... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».abdnakhi@yahoo.com
مقالات
رؤية ورأي
منظومة الدفاع المدني الكويتية
11:55 ص