انفجرتْ في بيروت قضيةُ إتجارٍ بالبشر أطلق شرارتَها "إعلانٌ" لمواطن سوري مقيم في لبنان عَرَضَ عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي"بيعِ عاملةٍ منزليةٍ من التابعيّة النيجيرية"، لتتطاير شظايا هذه "الجريمة" في أكثر من اتجاه وتستدعي تحركاً رسمياً وقضائياً في العاصمة اللبنانية على وقع بدء تفاعلاتُها الإعلامية في نيجيريا.

ولم يتأخّر لبنان في توقيف و.ج الذي باشرت المديرية العامّة للأمن العام التحقيق معه اليوم "بعدما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي إعلاناً يعرض فيه للبيع سيدة من الجنسية النيجيرية تعمل لديه في الخدمة المنزلية"، محذّرة  "مَن يستخدمون اشخاصاً أجانب في اي مجال كان من نشر أي إعلانات بأي وسيلة كانت تتعلق بهؤلاء العمال لا تجيزها القوانين اللبنانية، وخصوصاً اعلانات بيعهم كونها تندرج ضمن إطار جرم الاتجار بالبشر وتعرّض الناشر للملاحقة القضائية".

وسبق ذلك توجيه وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم صباح اليوم كتاباً الى النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات طلبت فيه "إجراء تعقبات في حق مرسل إعلان على موقع فايسبوك من حساب بإسم Wael Jerro الى حساب بإسم Buy & sell in lebanon يعرض فيه "بيع عاملة منزلية من جنسية أفريقية".

وبحسب كتاب نجم فإنه "يُشتبه من هذا الإعلان أنه ينطوي على جرائم جزائية (المادة 14 من أصول المحاكمات الجزائية) أَخَصّها جرم الإتجار بالبشر، فضلاً عن أنه يشكل مظهراً من مظاهر التعدي السافر على كرامة الإنسان"، طالبةً بناءً على ذلك "إجراء التعقبات في حق من يلزم وترتيب النتائج القانونية كافة"، قبل أن القاضي عويدات المباحث المركزية مباشرة التحقيقات في القضية.

كانت وزارة العمل اللبنانية أصدرت تعميماً مساء أمس على خلفية القضية نفسها جاء فيه: "بعدما تبيّن للوزارة العمل إقدام بعض أصحاب العمل الذين يستخدمون عاملات أجنبيات في الخدمة المنزلية الى الإعلان عنهنّ على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مخالفة للقوانين اللبنانية ولحقوق الإنسان، وبما أن هذه الأفعال تندرج في إطار الاتجار بالبشر، ويُعاقَب عليها بموجب القوانين اللبنانية، فإن وزارة العمل تحذّر من القيام بهذه الإعلانات تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين وصولاً إلى الادعاء عليهم بجرم الاتجار بالبشر لدى المراجع القضائية المختصة".

 وجاءت الاندفاعة الرسمية اللبنانية بعد انكشاف نَشْر و.ج على صفحة "بيع واشتري في لبنان" (GROUP على موقع "فايسبوك") المخصَّصة لبيع وشراء البضائع المستعملة ما يأتي: "عاملة منزلية من الجنسية الإفريقية (نيجيريا) للبيع مع إقامة جديدة وأوراق قانونية كاملة. العمر 30 سنة، نشيطة ونظيفة جداً" وذلك مقابل ألف دولار أميركي.

ولم يتأخّر هذا "الإعلان" في شقّ طريقه إلى الصحافة النيجيرية بعدما تلقّفتْه ناشطة نيجيرية وأخرى لبنانية - نيجيرية أعلنتْ عبر انستاغرام أنها أبلغت السفارة في بيروت بالأمر ليُكشف بعدها أن السفارة وضعتْ يدها على القضية.

وبحسب وسائل إعلام نيجيرية فإن جواز السفر الذي ظهر في "إعلان البيع" يعود للمواطنة  Peace Ufuoma من مواليد 19 مايو 1988، وأن و.ج حذف صفحته على فايسبوك بعد حملةٍ عليه ولكن الإعلان الذي نشره بقي متداولاً بعدما أُخذ SCREENSHOT وصار حديث الساعة، ناقلةً عن القيمين على صفحة "بيع واشتري في لبنان" انهم غير مسؤولون عما ينشره المنتسبون إلى الصفحة.

وذكّر الإعلام النيجيري في معرض الإضاءة على هذه القضية بأنه تم الشهر الماضي إنقاذ امرأتين نيجيريتين من بيروت التي كانتا وصلتا إليها من ضمن عمليةِ إتجار بالبشر حصلت في سبتمبر 2019 وتم القبض على أحد المتورّطين في العملية بحسب ما كشف مدير الوكالة الوطنية لحظر الإتجار بالبشر في البلاد، موضحاً أنه قبْلها كانت قضية مواطنة أخرى حظيت باهتمام كبير في نيجيريا بعدما قامت ابنة الـ 23 عاماً اومولالا اجايي بنشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تحدثت فيه كيف أنه تم خداعها بعدما وُعدت بالعمل في لبنان كمدرّسة.

 ومثلها حصل مع كيكلومو اولايدي، الأم لطفلين، والتي تم إنقاذها في فبراير بعدما راسَلَ زوجها وكالة حظْر الاتجار بالبشر التي قال مديرها ان الأخيرة وقعت ضحية لبناني في الـ 54 من عمره أوْهمها بأنها ستأتي إلى بيروت للاعتناء بوالدته الكبيرة في السن "ولكن بوصولها استقبلها أحد العملاء الذي سلّمها إلى عائلة حيث تم استغلالها للعمل في الخدمة منزلية"، كاشفاً أن الأخيرة أبلغت أنها تعرّضت للتحرش الجنسي خلال عملها لدى العائلة نفسها.

وكانت عارضة الأزياء العالمية نعومي كامبل فجّرتْ قنبلة قبل أقلّ من شهر حين دعت بأعلى صوت العاملات في الخدمة المنزلية من بلدان افريقيا إلى عدم المجيء إلى لبنان حيث "تتم معاملتهنّ كعبيد" وذلك على خلفية انتحار فوستينا تاي (من التابعية الغانية) في قضيةٍ ألقت الضوء مجدداً على واقعٍ ما يوصف بـ "العبودية التعاقدية" (نظام الكفالة) في لبنان والذي يشمل نحو 180 ألف عاملة (غالبيتهنّ من الفيليبين وأثيوبيا وبنغلادش والنيبال).

ويُذكر أن لبنان وَضَعَ منذ فترة ملف العاملات المنزليات وعقودهن ونظام كفالتهن ضمن الأولويات، وأعلن مسؤولون في وزارة العمل أنه "يجري إعداد عقد عمل جديد لهن ويتم تطويره وفقاً لمعايير العمل الدولية والاتفاقية المتعلقة بالعاملين في الخدمة المنزلية".