اختير مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء في العراق بعد مخاضٍ عسير سببه الخلاف الشيعي - الشيعي، وتجرّؤ رئيس الجمهورية برهم صالح على اختيار مرشحٍ معادٍ لإيران وموالٍ لأميركا وهو عدنان الزرفي، علماً أن اسم الكاظمي لم يُطرَح في اللحظات الأخيرة بل تداولتْ الكتل الشيعية اسمه منذ أشهر عدة. فعندما تَقدّم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، باستقالته، بدأتْ ورشة العمل للبحث عن مرشّح يتمتع بدعم الكتل الشيعية، وهي مهمة شاقة عمل عليها دائماً اللواء قاسم سليماني، والشيخ محمد كوثراني، ممثّلاً السيد حسن نصرالله، الذي يتمتع بعلاقة شخصية وثيقة مع كل الكتل على اختلاف انتماءاتها الطائفية والسياسية (شيعية وسنية وأكراد وقبليين وغيرهم). إلا أن اختيار الكاظمي لم يحصل إلا بعدما طلبتْ طهران من كل الكتل الشيعية توحيد الصف لإسقاط الزرفي واختيار مرشح يتوافق الجميع عليه، كما ترغب الكتل التي أعربت عن رفْضها القاطع لاختيار الرئيس صالح لمرشحٍ لا ترضى به.تَقَدَّم عمار الحكيم يدْعمه السيد مقتدى الصدر باسم المرشح الكاظمي في اللحظات الأولى التي تلت استقالة عبدالمهدي. إلا أن الكتل الشيعية الأخرى رفضتْ أسماء ضباط في مكافحة الإرهاب والكاظمي، رئيس جهاز المخابرات، على أساس أن هؤلاء ينتمون إلى المؤسسة العسكرية - الأمنية ولا تريد الكتل عودةَ شبيهِ صدام حسين، شيعي إلى السلطة، خصوصاً بعدما خبرتْ غالبيتهم استئثار نوري المالكي بالحُكْم وعدم إعطاء الأطراف من شيعة وسنّة وأكراد حقوق، تمثيلهم في الحُكْم.وسَقَطَ اسم قصي السهيل وتبعه سقوطُ اسم محافظ البصرة أسعد العيداني عندما رفض الرئيس صالح احترام الدستور وتسليم التعيين لمرشح الكتلة الأكبر، مستفيداً من النزاع بين كتلة «الفتح» التي يترأسها هادي العامري وكتلة «سائرون» التي يقودها الصدر حيث ادّعى كل منهما امتلاكه للكتلة الأكبر.وبسبب تظاهرات الشارع و رفْض المتظاهرين لأي مرشح من الكتل السياسية المُسَيْطِرة، حاول الصدر ركوبَ الموجة باعتبار نفسه ممثّل الشارع الذي لَفَظَهُ كما لفَظَ غيره. وتالياً طلب من الرئيس صالح عدم استقبال أي اسم لا يوافق عليه السيد مقتدى، بصفته هو مَن يملك الكتلة الأكبر وليس العامري. وسَقَطَ محمد علاوي لأنه رفض استشارة الكتل السنية والكردية وبعض الشيعة باختيار الوزراء معتمداً على دعْم الصدر الذي وَعَدَه بإحضار الجميع إلى البرلمان لإعطائه الثقة.إلا أن الرئيس صالح ذهب أبعد من ذلك مُسْتَخْدِماً الدستور وليس التوافق السائد بين الأحزاب وعيّن الزرفي. وهنا وقعتْ الواقعة حيث أعلنتْ أكثر الكتل رفْضها للزرفي الذي حظي بدعْم زعيم كتلته رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، ودعْمٍ خفي من المالكي الذي رغب بعودة منصب رئاسة الوزراء إلى حزب «الدعوة». كذلك نال دعْم الصدر الذي وَعَدَهُ الزرفي بإعطائه أي منصب وزاري وسيادي يطلبه.ورغم تصريح إيران الرسمي بأنها لا تختلف مع الزرفي، إلا أنه هو الذي اتُهم بحرْق قنصليتها في النجف وكربلاء أثناء التظاهرات في الأشهر الماضية. وهذا ما دفع الأميرال علي شمخاني لزيارة العراق، هو الذي كان معنيّاً بالملف العراقي مع سليماني.وقد زار الجنرال إسماعيل قاآني العراق بعد شمخاني حاملاً رسالة واحدة للعراقيين: «نحن لا نختلف أبداً مع السيد مصطفى الكاظمي، وإذا كان هذا مرشّح الأكثرية فنحن ندعمه ولنا علاقات طيبة معه». من جانبها، أعلنت أربيل دعْمها للكاظمي وتبعها إعلان رئيس البرلمان السني محمد الحلبوسي، ما دفع الزرفي للانسحاب. وأراد مسعود بارزاني توجيه رسالة للكتل الشيعية بألا تختار في المستقبل مرشّحاً لا يتمتّع بدعْم مرجعية كردية كما حصل مع الرئيس صالح الذي اختاره سليماني. وكان فؤاد حسين، وزير المالية، هو مرشح أربيل، إلا أن سليماني اعتبرَه حينها مرشح الموفد الرئاسي الأميركي برت ماكجورك وأسْقطه في البرلمان بعدما أوعز للشيعة والسنّة وحلفائه في السليمانية بعدم التصويت إلا لبرهم صالح الذي وافق على تعيين عبدالمهدي، فور انتخابه رئيساً.لم يحصل يوماً تَفاهُمٌ أميركي - إيراني في العراق حول مرشّح حتى ولم يكن استفزازياً للطرفين. ويتمتّع الكاظمي بعلاقات جيدة مع الرياض وطهران وواشنطن كما كان حال عبدالمهدي الذي كان السبّاق لتقديم مشروع اقتراح للبرلمان العراقي يقضي بانسحاب أميركا من العراق.واختير الكاظمي الذي وَعَدَ بدعْم «الحشد الشعبي» والعمل على إخراج القوات الأميركية من العراق، كما نصّ القرار الدستوري للبرلمان. وقد عملت طهران على تبديد مخاوف «كتائب حزب الله العراق» التي كانت اتّهمتْ علناً الكاظمي بالمسؤولية عن اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس.هذه المرة - بعد 3 محاولات فاشلة - سيتم دعْم الكاظمي لتشكيل حكومته. إلا أنه أمام صعوبات جمة. فأميركا تعيد انتشارها ولا ترغب بالانسحاب الكلي. ولن يستطيع الكاظمي سحْب السلاح من التنظيمات وسيواجه مشكلةً اقتصادية حقيقية لأن العراق يعاني من انخفاض سعر النفط والديون الخارجية. فمدخول العراق يتجاوز اليوم 30 مليار دولار بينما يحتاج إلى 80 ملياراً لدفْع الرواتب وإبقاء البنية التحتية على ما هي، ولن يستطيع إرضاء الشارع لأنه لا يملك المال اللازم لذلك. وستبقى إيران على القوة السياسية التي تتمتّع بها في العراق لأنها نسجت علاقات مع غالبية الأطراف القوية لدرجة أنه لم يعد يُعتبر أساسياً - بل مهم - دعْم رئيس الوزراء مهما كانت هويته لأنه - كما حصل مع العبادي - يبقى محكوماً بالتوازنات السياسية التي تملك إيران أطرافاً عدة منها.
خارجيات
لا تَفاهُم إيرانياً - أميركياً في العراق
02:47 ص