أفضت جهود مرجعية رئاسية لتمهيد الطريق السياسي حيال توجهات الحكومة اللبنانية لطلب معونة صندوق النقد الدولي الدولي، بما يشمل الدعم التمويلي عبر برنامجٍ إنقاذي متكامل يُرتقب أن يُنْجِز مَحاوِرَه الرئيسية الفريقُ الاقتصادي الوزاري والمستشارين لدى رئاسة الحكومة، على أن يتم صوغ الخطة النهائية في ضوء الملاحظات الاستشارية للصندوق.وتزامنتْ الجرعةُ السياسية المستجدة مع خطوة حكومية رمزية في تسريع ملف تعاون لبنان مع الصندوق، حيث قرر مجلس الوزراء تجميد أسعار مادة البنزين في ظل الانحدار الدراماتيكي لأسعار النفط العالمية، ما سيحقّق زيادةً مُضاعَفة في حصة الدولة، ويمكّنها بالتالي من تَجاوُز أحد توصيات الصندوق القاضية باستحداث رسم جديد بقيمة 5 آلاف ليرة (نحو 3.3 دولار بالأسعار الرسمية) على كل صفيحة (20 ليتراً)، فيما يجري البحث بتجاوز توصية ثانية عبر حصْر زيادة الضريبة على القيمة المضافة بسلع «رفاهية» ضماناً لعدم تحميلها لذوي المداخيل المتدنية والمتوسطة.وتقع في السياق عينه إشارةُ المتحدث باسم الصندوق جيري رايس إلى أنه «نظراً إلى خطورة الظروف الاقتصادية في لبنان، من المهمّ أن تضع الحكومةُ وتنفّذ بسرعة مجموعةً كاملةً من الإصلاحات للتصدي بفاعلية للتحديات الاقتصادية وتحسين الآفاق الاقتصادية»، مشيراً إلى «أن السلطات اللبنانية لم تطلب حتى الآن مساعدة مالية من الصندوق»، ومتداركاً بأن «وفداً من صندوق النقد زار لبنان قبل بضعة أسابيع، وعاد إلى واشنطن بانتظار أن تسلّم السلطات اللبنانية خطتها بشأن طريقة مواجهة التحديات الاقتصادية».وأكد مسؤول مصرفي كبير لـ «الراي» أن اللجوء الى الصندوق دخل مرحلة الحسم عقب إعادة النظر باعتراضات حادة أبداها مسؤولون في «حزب الله» وكان مقدَّراً لها أن «تفرْمل» هذا المسار في حال تخطيه الإطار التقني المحدود (المشورة)، وهذا الأمر تم فعلاً بنتيجة مساعٍ ومداولات على مستويات عالية أظهرتْ أن لا خيارات بديلة أمام لبنان في المرحلة الحاضرة للحصول على تمويل خارجي يحول دون المزيد من الانهيارات الاقتصادية والمعيشية في ظل مؤشراتٍ مالية ونقدية متدهْورة وتَقَلُّص احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي إلى مستوى 22 مليار دولار، تشمل الاحتياط الالزامي المفروض على الودائع المصرفية للزبائن المحرَّرة بهذه العملات، ما يثير مخاوف جدية من استنزافٍ أكبر يؤدي لاحقاً إلى عجزٍ عن تغطية اعتمادات المستوردات الأساسية من قمح ودواء ومستلزمات طبية ومحروقات.وستحرص الحكومة، وفق المعلومات، على الاستفادة من الفرصة وتَبَدُّل الأجواء لتسريع إعداد الملف الأولي وإرساله إلى الإدارة المعنية في صندوق النقد الدولي، وسيكون بمنزلة الترجمة العملية للنقاط ذات الصلة وللمهل الزمنية التي وردت في البيان الوزاري. وستتيح هذه الخطوة المتقدمة إجراء تقييم مسبق أو «جس نبض» لتوجهات المؤسسة الدولية وحجم البرنامج المالي الذي يمكن أن يتوفر للبنان، فضلاً عن مغزى الملاحظات الاستشارية وإمكان «لبننة» خطة مشتركة تحظى بأوسع تغطية داخلية.لكن من الواضح أن هذا الرهان سيمنح لبنان فرصة فريدة لوقف الانهيارات في المرحلة الأولى، ويُلْزِم الدولة من خلال قوةِ دفْعٍ ورقابةٍ دولية حثيثة، بالشروع في تنفيذ التزاماتها الإصلاحية، والتي يمكن أن تفتح لاحقاً كوة جديدة لإعادة الاعتبار إلى مقررات مؤتمر «سيدر» والتزامات المانحين الإقليميين والدوليين، والمتضمنة تخصيص المشاريع الاستثمارية في البنى التحتية بنحو 11.2 مليار دولار على شكل قروض ميسّرة وطويلة الأجَل.وبحسب المسؤول نفسه، يمكن الجزم حالياً بأن الأجواء العامة باتت أكثر ملاءمة لتسريع الخطوات الحكومية عقب المواقف الليّنة التي صدرت عن الأمين العام «لـ «حزب الله» حسن نصرالله، وفيه أن «موقفنا واضح وبعيد عن أي التباس، وهو أننا لا نمانع لجوء الحكومة الى استشارة أي جهة، أو أن تقدّم أي مؤسسة مساعدة ضمن ضوابط وخارج أي شروط تتعارض مع الدستور والمصلحة الوطنية»، وأيضا نفيه أن يكون «حزب الله» يرفض مساعدة خارجية للبنان. لكنّه عارض، في المقابل، وضع شروط محدَّدة لأي قرض كتوطين الفلسطينيين أو زيادة الضريبة على القيمة المضافة.وقد لا يكون من باب المصادفة البحت أيضاً، أن تتزامن الحلحلة المحلية وإعادة النظر بالتحفظات المعلَنة سابقاً مع إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده طلبت من صندوق النقد الدولي تمويلاً طارئاً لمكافحة تفشي فيروس كورونا الذي تضرّرت منه إيران بشدة، ومن ثم إعلان مديرة الصندوق، كريستالينا جورجيفا، أن البلدان المتضررة من «كورونا» ستحصل على دعم عبر أداة التمويل السريع.
اقتصاد
تدخل عالي المستوى بدّل المواقف المعترضة والحكومة تحضّر خطة إنقاذ
لبنان يخطو مفصلياً لطلب معونة صندوق النقد
09:57 م