يبدو مدرب فريق ليفربول الإنكليزي لكرة القدم، الألماني يورغن كلوب، وكأنه يواجه «العالم» بمفرده.كثيرة هي التصريحات اللاذعة التي أدلى بها منذ وصوله إلى إنكلترا في 2015، وكثيرة هي تلك التي صوّب من خلالها سهامه إلى القيّمين على اللعبة في البلاد، دفاعاً عن اللاعبين بشكل عام، وليس لاعبيه حصراً.وفي ظل «خصوصية» تحيط بكرة القدم «المتحفظة» في إنكلترا، يلعب كلوب دوراً يجدر بأترابه المدربين أن يشاركوه بطولته، بيد أنه بقي وحيداً ينادي، ولا يجد من يلبّي النداء.ماذا يعني عدم إشراك التشكيلة الأساسية كاملة في مباراة الثلاثاء أمام تشلسي على ملعب «ستامفورد بريدج» ضمن الدور الخامس من مسابقة كأس إنكلترا؟ لا شك في أنها رسالة غير أن كلوب ربما لا يعي بأنه لن يكون ثمة من يتلقفها، وبالتالي ضاعت بطولة من ليفربول بعد الخسارة أمام الـ«بلوز» بثنائية نظيفة.حتى أن المدرب الذي سبق له قيادة ماينتس وبوروسيا دورتموند الألمانيين لم يخشَ من تبعات السقوط في أتون الخسارة الثالثة لرجاله في آخر أربع مباريات ضمن المسابقات كافة وفي غضون أسبوعين.قد تكون مخاطرة أن يندسّ «انعدام الثقة بالنفس» في اللاعبين على أعتاب اختبار معقّد للغاية أمام أتلتيكو مدريد الإسباني، في إياب دور الـ16 من دوري أبطال أوروبا، على استاد «أنفيلد»، في 11 مارس الجاري.الخسارة أمام تشلسي جاءت بعد السقوط أمام «روخيبلانكوس» في ذهاب دور الـ16 لـ«تشامبيونز ليغ» بهدف في استاد «واندا ميتروبوليتانو»، وأمام واتفورد بثلاثية نظيفة في الدوري المحلي، في أول هزيمة للـ»ريدز» في الـ«بريمير ليغ» بعد 44 مباراة.تحدث كثيرون عن فشل كلوب مرة جديدة في بلوغ الدور ربع النهائي للمسابقة الأعرق والمتمثلة بكأس إنكلترا، حيث لم ينجح في تجاوز الدور الخامس منها منذ تسلمه الإدارة الفنية لليفربول، غير أنه لا يأبه بكل ذلك، خصوصاً وأنه بدأ اللقاء أمام رجال المدرب فرانك لامبارد بتشكيلة لم تضم من الأساسيين سوى الهولندي فيرجيل فان دايك، الاسكتلندي أندي روبرتسون، السنغالي ساديو ماني، جو غوميز والبرازيلي فابينيو، قبل أن يدفع، في أواخره، بالمصري محمد صلاح والبرازيلي روبرتو فيرمينو وجيمس ميلنر لقلب النتيجة دون جدوى.وعوض عن التحجّج بالتشكيلة «الثانية» لتبرير الخسارة، قال كلوب: «ارتكبنا الكثير من الأخطاء بالقرب من المرمى. إنها كرة القدم لكنني أحببت رد فعل الفريق. كانت مباراة متقاربة جدا».ما يؤكد «المنحى الثورويّ» لدى كلوب أن «أسلوبه واحد» في الرد على ما يراه منافياً لما يؤمن به، فهي لم تكن المرة الأولى التي يحجم فيها عن الزج بالتشكيلة الأساسية لـ»تسجيل موقف»، وإن جاء ذلك على حساب فريقه، وبالتالي حسابه الشخصي.قبل أسابيع قليلة، أكد بأن مباراة الإعادة في الدور الرابع لكأس إنكلترا ضد شروزبيري تاون لن يشارك فيها أي لاعب من الفريق الأول لأنها تتعارض مع عطلة الدوري الممتاز التي طبقت للمرة الأولى، وقال حينها: «في أبريل 2019، تلقينا خطاباً من رابطة الدوري الممتاز حيث طلبوا منا احترام العطلة الشتوية وعدم تنظيم أي مباريات ودية أو رسمية. قلت للاعبين بالفعل قبل أسبوعين إننا سنحصل على عطلة شتوية، وهذا يعني أننا لن نكون موجودين هنا. اللاعبون الصغار هم من سيخوضون هذه المباراة (أمام شروزبيري) لأنه لا يمكن التعامل معنا بهذه الطريقة وكأنّ لا أحد يهتم بنا».وأضاف: «طلبت منا رابطة الدوري الممتاز احترام العطلة الشتوية، وهذا ما سنفعله. إن لم يحترم الاتحاد الإنكليزي (الذي ينظم مسابقة الكأس) ذلك، فهذا شيء لا يمكننا تغييره، لكننا لن نكون هناك».وواجهت كلوب المشكلة الأكبر في النصف الثاني من ديسمبر الماضي عندما خاض ليفربول، مباراتين في غضون يومين، الأولى أمام أستون فيلا في الدور ربع النهائي لكأس رابطة الأندية الإنكليزية المحترفة في 17 منه، والثانية أمام مونتيري المكسيكي في الدور نصف النهائي لبطولة كأس العالم للأندية في العاصمة القطرية الدوحة، في 18 منه.بالتأكيد، لم يكن من الممكن دخول الاختبارَين بتشكيلة واحدة. وبناءً عليه، خاض الـ«ريدز» مباراة أستون فيلا بتشكيلة من الشباب خسرت بخماسية نظيفة، ومباراة مونتيري بالفريق الأساسي وفاز 2-1.صحيح أن مونديال الأندية الذي نجح ليفربول، في نهاية المطاف، في خطف ودّه على حساب فلامينغو البرازيلي بهدف فرمينو، أهم من كأس الرابطة، غير أن ذلك لا يعني بأن كلوب فشل في الاختبار الأخير، بل أُجبِر على الهزيمة والتسليم بالأمر الواقع. وهذا ما شكل بالتالي الامتعاض الأكبر لدى المدرب الألماني الذي لم يتخلّف يوماً عن التعبير عن سخطه من روزنامة المباريات المتخمة بالاستحقاقات، وإن جاءت ردة الفعل على حساب فريقه، وحساب سمعته الشخصية.وعن مدى أهمية كأس العالم للأندية والفوز بها، قال كلوب: «من يرى أن مباراة أستون فيلا أهم، فله حرية الرأي. اتخذنا القرار بالتشاور في ما بيننا. لا نستطيع السفر 3000 كيلومتر، سنلعب أمام مونتيري وسنسعى إلى الفوز. هي البطولة الأهم للأندية في العالم. نحن هنا لتمثيل ليفربول وأوروبا ونحاول تقديم أفضل أداء»، وتابع: «ليس هذا (اللعب بتشكيلة من الشباب أمام أستون فيلا) الحل المثالي الذي كنا نريده لكنها فرصة للاعبين الشباب والفريق الثاني للمشاركة في هذه البطولة القوية أيضاً».ولا يفرّق كلوب في انتقاده بين هذا وذاك، فقد انتقد، قبل فترة، كثرة البطولات التي باتت تسيطر بشكل مطّرد على أفكار المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات القارية من أجل جني المزيد من الأموال.جاء ذلك بعد مشاركة عدد من لاعبي ليفربول مع منتخبات بلادهم خلال الصيف الماضي في بطولات قارية (كأس أمم أفريقا وكوبا أميركا) بعد 12 شهراً فقط من كأس العالم في روسيا صيف 2018.وفي الصيف المقبل، سيشارك جزء كبير من لاعبي ليفربول في «يورو 2020»، ويستعد كلوب لخسارة نجومه في فترة الإعداد للموسم المقبل.وعلّق على مشاركة لاعبيه في كأس العالم للأندية: «لا يمكننا سوى قبول ذلك، لأننا جميعاً نتقاضى أجوراً جيدة وهذا جزء من عالم كرة القدم الحديثة»، وأضاف: «نعلم جيداً ما أهمية الأموال التي يحصل عليها مسؤول ما في مؤسسة ما. هناك عروض تقدم في الفترة الأخيرة من أجل تنظيم المزيد من البطولات في مقابل المزيد من المال، ولا أعرف ما أهمية ذلك».وتابع: «تعجبني الفكرة بشكل عام، لكن إذا كنت بصدد تنظيم بطولة جديدة، فعليك إلغاء أخرى. لا يمكنك أن تضيف مسابقات جديدة وتزيد من الضغط على الأندية واللاعبين».وواصل: «أين هي السنة التي لا توجد فيها بطولة واحدة؟ لا أرى أن هناك لاعبين جددا قادرون على خوض تلك البطولات الجديدة. لديك كأس العالم والبطولات الأوروبية وكأس العالم للأندية وكوبا أميركا. لم يعد هناك عام من دون بطولة، وهذا أمر ليس له أي معنى».وأكمل: «لا أدري لمَ لا يراها أحد على هذا النحو. كل التفكير منصبّ في الأموال. وإذا كانوا يقولون إن مباريات أقل تعني أموالا أقل، فأنا أوافق على الأمر».وعن البطولات الإنكليزية، قال: «لا أعرف ما جدوى إقامة مباراتين في نصف نهائي كأس الرابطة، أيضاً في كأس إنكلترا هناك إعادة لبعض المباريات. لمَ كل ذلك ولديك ركلات الترجيح؟».وختم: «أعتقد أنه علينا أن نجد حلولاً بشأن عدد من البطولات، خصوصاً في إنكلترا، لأن الأمر لا يتعلق بالمال، بل يؤثر بالسلب على اللاعبين».من جانبه، انتقد مدرب مانشستر سيتي، الإسباني جوسيب غوارديولا، ضغط المباريات، حتى أنه طالب بإلغاء واحدة من البطولات، بيد أن ما يعاني منه كلوب يختلف عمّا يواجهه «بيب».خلف غوارديولا، تقف إدارة «إماراتية» مستعدة لتنفيذ مطالبه وضم ما لذّ وطاب له من لاعبين، وصولاً إلى تشكيل فريقين بالقوة نفسها تقريباً، الأمر الذي يسمح للـ«سيتيزنس» بالسيطرة على البطولات وهو ما شهدته السنوات الأخيرة.في المقابل، يملك كلوب «تشكيلة واحدة» هو غير قادر على مواجهة العالم بأسره بها.يكفي القول بأن كلوب صرف، في مطلع الموسم الراهن، 1.9 مليون يورو في سوق الانتقالات الصيفية، مقابل 168 مليوناً صرفها غوارديولا.كلوب يدفع من سجله ثمناً لتحقيق «عدالةٍ ما» يحلم بها في كرة القدم... لكن يبدو بأن يداً واحدة لا يمكن أن تصفّق.
رياضة
كلوب... «يسير وحيداً»
02:05 م