بن علي قال للثوار كلمته الشهيرة «عقلتكم فهمتكم»، ثم ترك بلده لينجو بنفسه، القذافي هدد وتوعد بمطاردتهم «زنقة زنقة... دار دار... حارة حارة»، فلا هو نجا ولا بلده نجا منه، وحده حسني تخلّى عن الحكم ولم يتخلَ عن بلاده، احترم القضاء فبرأه لذا كان أحسنهم.مقدمة تبحث عن الموضوعية، في الحكم على مرحلة حكم طواها الربيع العربي، الذي استحال صقيعاً بعد أن أثبت القادم أنه لم يكن أفضل مما كان قائماً، إن لم يكن أشد سوءاً، والموضوعية لا يمكن أن تكون واقعية في قضية أنت طرف فيها.كنت طرفاً لعلاقة عاطفية بدأت مبكراً مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك في أعوام مبكرة من عمري، تحديداً في العام 1990 عندما كنت أمضي إجازة صيفية هي الأولى لي في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، استحالت إقامة قسرية عندما احتل صدام حسين بلادي وشرد أهلها، وللتاريخ فإن أول ما أذكر وتستوعبه ذاكرتي المحدودة في ذلك الوقت بث التلفاز خبر استقبال الرئيس المصري محمد حسني مبارك للعاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز لدى وصوله إلى القاهرة، وصوت جارتنا المصرية وهي تصرخ في التلفاز «والنبي اعمل حاجة يا حسني... اعمل حاجة يا فهد... اوعو تسيبو البلد (الكويت) تروح»، كانت تردد الجملة وتكررها بشكل هستيري، رغم أن زوجها صار يصرخ عليها «ما تسيبينا نسمع الأخبار هم يعني حيسمعوكي»، فتوالت الأخبار وكأنهم سمعوها فكان فهد وحسني (مع حفظ الألقاب) بطلي تحرير الكويت منذ جملة الفهد الشهيرة: «اليوم ما فيه كويت وسعودية يا نعيش كلنا يا نموت كلنا»، ثم قرار مجلس الجامعة العربية الذي أنهى به حسني الانشقاق العربي بأغلبية الأصوات، رغم صياح القذافي الذي سمعناه جميعا في التسجيلات المسربة، فقرارات الجامعة اتخذت بالإجماع فكانت سابقة بقرار منفرد للرئيس المصري لإنقاذ الانقسام للضرورات التي أباحت المحظورات، وكان ذلك الموقف بداية الانطلاقة الشرعية لتحرير الكويت من الجامعة العربية إلى مجلس الأمن.تحررت الكويت، وكان حسني مبارك يزورها كثيراً، وكنت بحكم عملي الصحافي أشاهده كثيراً، وألاحظ حب المصريين له، الذي لا منافس له سوى حب الكويتيين، الذين يستذكرون خطاباته لسبعة أشهر في مواجهة خطابات الغازي المحتل، كان هو من يتولى الرد حتى على خطابات الحسب والنسب بطريقة ساخرة زادت من شعبيته لدى الشعبين، لكن القلوب تنقلب، ففجأة قامت الثورة عليه وعلى نظامه، ثم تغير النظام، ثم احترمنا الأنظمة التي اختارتها شعوبها، وبقي الذي في القلب في القلب، حتى توقف قلبه، فعاد الذين عارضوه وهاجموه وخلعوه لينعوه ويكرموه على الطريقة العربية الشهيرة: اذا أردت أن تحصل على التقدير الكافي فليس عليك إلا أن تموت!في تعامله مع الغزو، وفي تعامله مع الثورة، وفي تعامله مع القضاء، وحتى في تعامله مع الموت، كان حسني رحمه الله أحسنهم.