أولاً أعترف أني أقع في غرام المدن أكثر مما يقع الرجال في غرام الحسناوات، ومع ذلك لا أتذكر تحديداً متى وقعت في غرام هذه المدينة أو تلك ولا يمنعني ذلك الغرام من هجرها!ربما كان ذلك في مطلع التسعينات، بداية التحاقي في الجامعة، مكتب التسجيل، كان في الشويخ، ربما نشأ نوع من قوة الجذب دفعتني إلى الانتقال، من كليتي العلمية التي اتخذت من الخالدية مقراً إلى قسم الإعلام الذي اتخذ من الشويخ مقراً بقي فيه وحيداً الى حين تخرجي بعد انتقال بقية الأقسام الى كيفان!جريدة آفاق الجامعية في جامعة الشويخ أيضاً وشارع الصحافة الذي - وقتها - كانت تبتعد عنه جريدة «الراي»، التي عملت فيها لاحقاً، في الشويخ أيضاً، لا أتذكر تحديداً متى كان الدخول الأول الى ذلك المبنى وإن كان برجلي اليمين أم لا، لكنني أتذكر أنني غادرتها كثيراً غاضبة، وباكية أحياناً، أقسم بأغلظ الأيمان ألا أعود إليها أبداً، وأعود حتى غادرت هي! كان وجود «الراي» في الشويخ دافعاً لي نحو تغيير وظيفتي الحكومية البعيدة في الأحمدي، فانتقلت إلى موقع آخر، للعمل نفسه تقريباً، إنما في الشويخ، لأننا طالبين القرب!المفارقة أنني حين عملت في الشويخ صباحاً غادرتها مساء، ككل مرة أغادر الجريدة، لكن تلك المرة لم أعد تلك الصحافية التي كان يتصدر اسمها مقالات الأولى، بل كاتبة يذيل اسمها مقالات الأخيرة، ولم يعد لي مكتب فيها، ذلك المكتب الذي غادرته ذات مرة احتجاجاً على اقتسامه مع شخص اعترض على وجودي في مكتبه رغم أنه جاء بعدي!للأمانة كانت كل مكاتب «الراي» مكتبي، أكتب أينما شئت في صالة التحرير، حتى صار لي في كل مكتب ذكرى مقالة، وعندما يتم تسجيل لقاء تلفزيوني معي كان يصل الأمر إلى احتلال مكتب الريّس لزوم الكشخة... لم أتعامل مع «الراي» كدوام على الإطلاق كنت أتعامل معها على أنها البيت لدرجة أن أهلها وأهلي كانوا يقومون بطردي إن تأخر الوقت، كثيراً ما كنت أسمع عبارة: روحي بيتك فلا أتأثر لأني في بيتي!ورغم أن ترددي على بيتي قلّ عن السابق، حتى أيقنت أنه لا داعي لدوامي في الشويخ لأنني عادة ما أذهب إليها إما مساء أو في نهاية الأسبوع، وبعد تفكير، اتخذت قرار العودة إلى الأحمدي، التي غادرتها لسبب «زوال السبب»، وحين عدت، حصلت المفاجأة، فتلازم مساري مع مسار الجريدة، حتم على الجريدة، وفق تفسيري القائم على جنون العظمة، أن تغادر هي الأخرى، وهكذا كان، انتقلت «الراي» من الشويخ إلى العارضية، وكنت آخر زائر في الشويخ وأول زائر في العارضية، ومثلما أقع في غرام المدن، وقعت في غرام المبنى الذي أصررت على أن يكون لي مكتب فيه أغادره غاضبة، وأعود إليه بعدما أقسم ألا أعود!غادرت جامعة الشويخ طالبة، وغادرت مقر عملي في الشويخ موظفة، وكانت «التالتة تابتة» بمغادرة الجريدة برمتها الشويخ، ومغادرتي معها صحافية تسكن قلم كاتبة.ولم يبق لي في الشويخ سوى جار عزيز كنت أزوره سيراً على الأقدام في بعض أوقات الدوام، هو سمو الشيخ الوالد ناصر المحمد الصباح، شاهداً على حكاية غرام مع مدينة غادرتها.