تتبع الرخص وما أكثره في هذا الزمان خصوصاً في النوازل والمدلهمات.وافتى الفقهاء بأن تتبع الرخص لا يجوز، حتى إن بعض العلماء قال: من تتبع الرخص فقد تزندق، لأنه في الحقيقة لا يعبد الله بالهدى، بل عبده بالهوى، لأننا إذا سألنا العلماء نعتبر أن ما قالوه هو الشرع، لأنهم الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.فإذا كنا لا نقبل من هذا العالم قوله لأنه يخالف أهواءنا، صارت عباداتنا لله بالهوى لا بالهدى.فإذا كانت الفتوى موافقة لهوى السائل، صار العالم عند هذا السائل ابن تيمية زمانه وأعلم الناس، ولا يسأل أحداً غيره!ويقول لصاحبه: لا تسأل غير هذا، وإذا كان الأمر بخلافه قال: هذا ليس بمعصوم من الخطأ، ثم يذهب لغيره من أجل أن يتتبع الرخص.وينسى قول الله - عز وجل: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)وليس هذا من باب ما إذا تعارضت الأدلة عند الناظر المجتهد، يقول: بعض العلماء خذ بالأشد لأنه أحوط، وبعضهم قال: خد بالأيسر لأنه الأوفق للشرع: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) ولأن الأصل براءة الذمة، هذا القول هو الأصل، إنه إذا تعارضت الأدلة عند المجتهد فليأخذ بالأيسر، لأن هذا هو الأوفق لقواعد الشريعة، ولأن الأصل براءة الذمة وعدم الحرج وعدم التأثيم.ولكن كلامنا في رجل عامي يريد أن يتتبع الرخص وفي الأحزاب الإسلامية، وما أكثرها لتسليك مخالفاتها لذا تجد لكل حزب علماء يغدقون عليهم بالأموال ويفتونهم بما يرضيهم؟ والعجيب أن من تتبع الرخص أحياناً لا تكون عبادته صحيحة أبداً ولا دعوته أيضاً، فلو أن رجلاً أكل لحم إبل، ومس امرأة، ولحم الإبل ينقض الوضوء عند الإمام أحمد، ومس المرأة ولو من غير شهوة ينقض الوضوء عند الإمام الشافعي، وقال: أنا أقتدي بالشافعي في أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، نقول: صلاتك على المذهبين باطلة، لأنك أتيت بالمفسدين: أكل لحم الإبل ولمس المرأة.وقد يقصد من يتتبع الرخص ضرب آراء العلماء بعضها ببعض وهذا كثير الآن، يجيء المستفتي يسأل العالم ليرى ماذا عنده، وليس قصده الحق، وإذا علم ما عنده ذهب إلى العالم الثاني وسأله وقال: ماذا تقول في كذا وكذا؟ قال: أقول كذا وكذا. قال: لكن فلاناً يقول: كذا وكذا، فما قصده؟!أي إنه يضرب رأي العالم الثاني برأي العالم الأول.أو يتبجح في المجالس فيقول: أنا سألت فلاناً وقال: هذا حرام، وسألت فلاناً وقال هذا حلال. ثم يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، والله أعلم بنيته، فقد تكون نيته سيئة، ويقصد ألا يكون العلماء عند العامة محل ثقة، وهذا من الشيطان، وهذا واقع من أناس إذا قيل لهم: يا فلان هذا حرام، قال: من يقوله؟ قيل: فلان. قال: لكن فلاناً قال: كذا وكذا. وفلاناً يقول كذا وكذا، ويقول: ما ندري من نصدق! كل هذا من أجل ألا يثق الناس بعلمائهم، ويبقى الناس ضلالاً لا يعرفون من العلم شيئاً، أو يتيهون في الأرض لا يدرون ما يصنعون وتبقى الأحزاب السياسية هي الممثلة لإرادة الأمة؟ والأشد خطورة من هذا أن هذا الرجل يستخدم خلاف العلماء في هواه، خصوصاً في ما رأيناه من تسويغ ثورات الربيع والدعوة إلى الخروج على الأنظمة واسقاطها، فإذا تكلم بكلمة نقول له: يافلان اتق الله، هذا حرام! فيقول: لا، فلان يقول: ليس به بأس، وإذا تكلم بنفس الكلمة في مكان آخر قال: يا فلان هذا حرام. فنفس المسألة بالأمس كانت حلالاً لما تكلم بها، واليوم صارت حرماً لما تكلم بها غيره!
الخلاصة:من هديه صلى الله عليه وسلم كان يترك ما يختاره من العبادات لدفع المشقة عن الصحابة، كالصيام في السفر، وترك بناء الكعبة على قواعد إسماعيل خوفاً من أن يفتن الناس، ونهى الله - عز وجل - عن سب آلهة المشركين مع وجوبه، خوفاً من أن يسبوا الله. فهذه لها أصل، وهي من السياسة الشرعية، أن الشيء المباح إذا ترتب عليه ضرر وجب الإمساك عنه.ومنا الى أصحاب الثورات العربية.