قرأت رواية بعنوان «الحب يدوم ثلاث سنوات» لرجل فقد الحب مع زوجته فقرر أن يكتب رواية يلعن فيها العالم ويقسم بأغلظ الإيمان بين سطورها أن للحب تاريخ صلاحية وانتهاء، كحال المنتجات الاستهلاكية ووعود مرشحي مجلس الأمة!وقام في الرواية بعملية استقراء تاريخية فاكتشف أن الشمس لا تشرق إلا عندما يصيح كالديك، فقرر أن البعوضة تعيش يوماً واحداً، والوردة ثلاثة أيام، والقط يعيش ثلاث عشرة سنة، والحب ثلاث سنوات، وأن هذه سنّة الحياة.واستند في ذلك على الكيمياء الحيوية التي تقول إن هرمون الحب يتوقف بعد ثلاث سنوات من الزواج، والإحصائيات والحوليات السكانية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة التي تقول إنه في اثنين وستين بلداً حول العالم يقع غالبية الطلاق خلال السنوات الأربع الأولى التي تلي الزواج، واستند أيضاً على تجربته الشخصية.قد نتفق أو نختلف مع الرواية الفرنسية، ولكن حتى الإحصائيات الكويتية الصادرة عن وزارة العدل 2018م تخبرنا بأن الخمس سنوات الأولى هي سنوات الطلاق مع مرتبة الشرف، وأن أغلبها يقع في السنة الأولى والسنة الخامسة، وهذا يعني عزيزي القارئ أننا نجحنا في القضاء على الزواج المبكر رأفة بالمرأة، وفشلنا في التقليل من الطلاق المبكر إهمالاً للمجتمع.لا شك أن هناك قارئا ما لهذا المقال ما زال يحب زوجته، أو قارئة مر على زواجها أكثر من ثلاث سنوات وما زالت تشعر بالحب وكأنه في اليوم الأول وربما أكثر، وبالتأكيد أن هناك قارئاً مثقفاً سيقول إن هذه الرواية وهذا الاستقراء للإحصائيات ما هو إلا تحيز إدراكي يميل إلى الاقتناع بالحجج التي توافق خبراتنا وآراءنا المسبقة، بغض النظر عن التجارب الأخرى وقوة الحجج الأخرى، فعدد من أكملوا حياتهم بحب أكثر من عدد من انفصلوا بمحامٍ.بالنسبة لي ما يهم في هذه الرواية هو التساؤلات الكبرى التي تطرحها حول مفهوم الحب والأسرة.ما مفهوم الحب؟ وهل له نظام حيوي وبيئي قد يغذيه أو يذبله؟فهل فعلاً يستمر الحب ثلاث سنوات ثم يقع الطلاق؟ أم أن القوانين والتشريعات المتعلقة بتنظيم الأسرة لها علاقة بمد عمره أو التسريع بأجله؟بالتأكيد أن الحب كالموت، تجربة شخصية بحتة لا يمكن الاتفاق على تعريفها، ولكن يحذر المعهد العربي للتخطيط في الكويت من ستة مخاطر اجتماعية قد تفتك بالمجتمع ووضع منها الطلاق، معتبراً إياه لا يقل خطرا عن الزلازل والسيول وانهيار أسواق المال وحرائق مدن بأكملها، بل هو لا يقل خطراً عن الأوبئة والأمراض المعدية.فهل أصبح من الضروري وجود دورات تأهيلية إلزامية للمقبلين على الزواج، من أجل مناقشة كيف يمكننا جعل الحب يعيش مدة أطول من ثلاث سنوات؟ وهل يعقل أن تكون مدة صلاحية معجون أسنان أكثر من مدة صلاحية حب بين شخصين؟إنه الحب في عالم سائل كما يرى عالم الاجتماع زيجمونت باومان، حيث تتحول العاطفة من خلاله إلى سلعة محددة بتاريخ انتهاء، والإنسان إلى مستهلك غير قادر على مقاومة الإغواء، الذي يخيفه من الالتزام والتقيد بقيود وروابط أخلاقية شاقة لا تناسب أي إنسان عاقل في العصر الاستهلاكى.تخيل معي عزيزي القارئ أن لي صديقين في كلية الهندسة، أحدهما تخرج وتزوج فأصبح يتكلم كثيراً عن الحب... ويستشهد بمقاطع طويلة من الإنجيل حتى ظننا أنه في الخفاء يزور أبرشية العذراء مريم ويشعل لها شمعتين، واحدة له والأخرى لمن يحب، وعندما لاحظنا في الفترة الأخيرة أنه أصبح يستشهد بمقاطع الأغاني الوطنية، وأصبح يردد أن حب الكويت فوق كل حب... عرفنا أنه انفصل بعد ثلاث سنوات من زواجه.صديقي الآخر ما زال في الكلية منذ سبع سنوات ولم يتخرج حتى الآن، وعندما سألناه لماذا لم تتخرج قال: لأني أحب الهندسة.فهل يعقل ألا يستمر حب امرأة ثلاث سنوات، ويستمر حب الهندسة سبع سنوات؟@moh1alatwan
مقالات
خواطر صعلوك
هل يدوم الحب ثلاث سنوات؟!
08:24 م