يقول الدكتور علي الوردي: «إن المنطق الحديث يرى أن الحق لا يمكن أن يكون محتكراً عند فريق من الناس، حيث إن كل فريق ينظر إلى الحق وفق الجانب الذي يعتقده هو من دون أن يعلم أن للحق أوجهاً أخرى، فالحق والباطل أمران متلازمان فحيث يكون الحق، يكون الباطل معه، وإذا تنازع فريقان فهذا دليل على أن كلا منهما محق ومبطل في آن واحد».  لا شك أننا نعيش في عصر جديد لا ينفع فيه التمسك بالآراء والتعصب للأفكار القديمة، ويجب أن نعي ونفهم النقص الذي يلازم النفس البشرية على مر العصور فالإنسان مجبول على أن يرى الحقيقة بحسب ما يتوافق مع مصلحته الشخصية ومحيطه الاجتماعي، واذا ما اتحد هذان الشيئان فمن الصعب جداً أن يعترف العقل بالحقيقة، حتى ولو كانت واضحة كالقمر في سماء بدر صافية، ولذلك نجد الناس ترفض كل فكرة جديدة او مخالفة طالما لم تأت مبنية على خبراتهم السابقة وتراكماتهم الفكرية ومتوافقة مع محيطهم الاجتماعي والأمثلة في ذلك كثيرة، ولكنني سأذكر واحداً فقط.عندما وقف عالم الفيزياء آينشتاين ونسف بجملة واحدة نظرية الجاذبية وأنهى تاريخ تفاحة نيوتن، الذي أقنع العالم كله بأن الأرض مركز الكون ومصدر الجاذبية تصدى له أعتى الفلاسفة والعلماء وقالوا عنه مجنوناً بقلم وسبورة، يريد أن يغير معتقداتنا ولكن مع مرور الزمن وحتى يومنا هذا، كل يوم يكبر في نظرنا آينشتاين الذي غير العالم بلوحة أرقام، بعد أن تبيّن لاحقاً أن الأرض ليست سوى حبة رمل صغيرة في زاوية فضاء الكون! كان آينشتاين يقول إن مشكلة العقل البشري أنه يريد أن يخضع الكون إلى مفاهيمه الخالدة ومعتقداته المطلقة والبديهية، التي لا يجوز أن نشكك بها بعد أن اعتاد على مشاهدتها كل يوم، ثم لوّح بقلمه قائلاً: لا توجد بديهيات ثابتة فالزمان كان عبارة عن دقائق وثوان، أما اليوم هو «زمكان» وإنما المشكلة ليست في ما اكتشفت بل في عقول الفلاسفة، الذين يرفضون كل ما هو غير مبني على معتقداتهم السابقة.على كل حال أطلت عليكم غير أن الهدف أن نفهم منطق الاختلاف في الرأي، وأننا نعيش في عالم لا يمكن لنا أن نقول فيه غير معقول لأنه مخالف لما نعلم، مرة أخرى: يقول الدكتور علي الوردي: «علمتنا الحياة أن كل شيء يبدأ سخيفاً قد يتبدل ويحدث نقلة نوعية إذا ما تبدلت المفاهيم وتم ترك التعصب في الآراء»، فالتطور دائماً يأتي من منطق اختلاف الناس وليس تنميطهم.