إن كلمة (فقه) وكلمة (الحال) أو كلمة (الواقع)، من الكلمات المتداولة لدى الفقهاء والعلماء وغيرهم من عوام الناس منذ أزمان بعيدة، لكن ما استحدث اليوم ذلك التركيب الإضافي في فقه الحال أو فقه الواقع.فقه الحال أو فقه الواقع مصطلحان بمعنى واحد، يستخدمهما علماء السياسة عامة وعلماء السياسة الشرعية خاصة بكثرة في هذه الأيام، بسبب طبيعة العصر الذي نعيش فيه، وبسبب التراكم المعرفي الضخم في العلوم الإنسانية على وجه الخصوص.الفقه في اللغة: هو الفهم، وعندما نقول اليوم؛ فقه الواقع أو فقه الحال، فإننا نقصد ذلك الفهم العميق والدقيق للواقع، يعني أنه شيء زائد على الدراية والمعرفة، إنه الفهم المنهجي والعلمي للواقع وأسراره وجذوره. أما الواقع فهو ما عليه أوضاع الناس وأحوالهم في كل مجالات الحياة على الحقيقة الكائنة في الداخل أو في الخارج، كما يقولون المناطقة، وهذا يعني نفي ما يتوهم أو يتخيل أنه واقع.في البداية لا بد من تحديد الواقع، والإجابة عن سؤال: ما الواقع؟ حتى يسهل علينا فهم الواقع، ونحاول الحد من الجدل الفلسفي والذي لم ينته إلا إلى القليل من النتائج والمسلّمات، لكن ظل الواقع المحسوس أي المدرك عن طريق الحواس أسهل، لأن له أبعاداً يمكن حسابها كميّاً.ومن المعروف أن العقل ماهر جداً في التعامل مع الكم، ولا يعادل مهارته تلك سوى عجزه وارتباكه في التعامل مع الكيف، ولهذا حين نتحدث عن الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي أو الاقتصادي... لأي بلد فإننا في الحقيقة نتحدث عن شيء صنعنا له نماذج وقوالب في أدمغتنا، وليس عن شيء رأيناه أو لمسناه... فواقع التدين في البلد أو الفساد الأخلاقي أو رضا الناس عن العيش، هو واقع يتم إنتاجه داخل الأذهان وبأدوات عقلية.عندما نحاول فهم الواقع لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار الأساطير والأوهام والخيالات، التي اخترقت الوعي البشري على مدار التاريخ، ودخلت في عمق مسلّمات التفكير والإدراك. الكل يعلم أن العقل البشري لا يتعامل مع الواقع على نحو مباشر، وإنما عبر أدوات، وأدواته هي التعريفات والمصطلحات والمعلومات المتوافرة عن القضية التي نحاول فهمها وإدراكها، بالإضافة إلى الخلفية الثقافية والإمكانات الذهنية لدى من يحاول ذلك.وفي الختام لا بد من توضيح حقيقة أنه ليس هناك أي ضمان بأن ما نتحدث عنه أنه واقع، هو واقع فعلاً في الوجود، وليس أمامنا أي خيار سوى اعتماد ما يفضي إليه النظر والبحث والاجتهاد، ولكننا من خلال هذه الرؤية نمتلك المرونة في إصدار الأحكام، ونقدّر قول الطرف الآخر سواء كان مخالفاً أو متفقاً، ونحمي أنفسنا من سوق الأحكام الظنية في مساق القطعيات.
m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@