| بقلم: عبدالله بن سليمان العتيق |
/>الإنسان مظهر وجوهر، ومبنى ومعنى، وذات وصفات، وجسم ووسم، وامتيازه بتحقيق الحقيقة الإنسانية، والأخلاق تلك الحقيقة، سواء كانت أخلاقا باطنة أو أخلاقا ظاهرة، فليس الشأن إلا في جوهرية الأخلاق وفي سر ايجادها، ولم تكن من جملة المناقب إلا بذلك.
/>فمن الأخلاق ما يكون غريزة في نفس الإنسان محاسنها ومقابحها، ويزداد النعت بهما عند التوظيف، فكما هي مفطورا بها الإنسان كصفة، وخلق، كذلك مفطورا بوصفها، وذاك عند أغلب الناس، وليس شيئا مطردا في كل حال ولكل احد. كذلك من الاخلاق والصفات ما هو مكتسب، يُنال بالدربة والممارسة، فعندما يأخذ الإنسان بصفة - ليكون متصفا بها وموصوفا عند الذكر بها - ممارسا لها في احواله بعد معرفته بها يجعلها مصطبغة فيه فيرتقي إلى أن يكون موصوفا بها وكأنها فطرة فيه، يرقيه ارتقاؤه إلى حقيقة الصفة ان يكون غائصا في أعماقها وأسرارها، فيدرك بذوق الحال ما لا يكاد يكون مصدقا عند أحد ممن لم يصل إلى ما وصل اليه، وذا في كل صفة، فليس إلا تعلق ثم تخلق ثم تحقق ثم تعمق ثم تذوق. وقد يدرك اسرار الصفات والاخلاق بالاكتساب من لم يدركها بالغريزة والجبلة، حيث الاعتبار بالفعل الظاهر ببعث الباطن، فلا تنبع عين إلا بدفع باطن الأرض، ولا تبدو أخلاق حسان ولا صفات كاملة إلا بصناعة باطن الإنسان إياها، وعلى ذلك كان التعويل.
/>جاءت الاديان متممة حسان أخلاق الناس، وذاك في صناعتها توظيفيا مترتبا على باعث الدين، وباعث الدين الاخلاقي جاء من استجمال الناس محاسن التوظيف الخلقي، واقرار الاديان محاسن الاخلاق لم يكن إلا لما ادركته من جمال في بناء للذات الإنسانية ولما تقوم به من تحقيق مقاصد الشرائع، وذاك الجمال المرضي به عند الناس قبل الاديان من وحي الغرائز الصحيحة السليمة، وغرائز النفوس لا تصح إلا بصحة النفس والروح والقلب حاد وحاكم.
/>فأخلاق الإنسان لا تميل إلى سوء أو حسن في ذاتها، بل هي شيء صرف لا تحمل شيئا، ولا تصطبغ فيها صبغة إلا من جراء توظيف الإنسان، فإن كان توظيفه اياها في المحاسن والمحامد كانت محمودة، وان كان في المقابح والمذام كانت مذمومة، فغالب العيب في الصفات من قبل وضع الإنسان لها في غير موضعها، وكذا المدح من وضعها في موضعها اللائق بها.
/>كثير من الاخلاق يميل وصفها إلى الحسن، ولا تقبل إلا وضعها في المحاسن، حيث كانت ميالة نحو ذلك، ويتصف بها الكثير من الناس لدواعيها هي إلا لطلب الإنسان التخلق بها، وصفات اخر في منأى عن الحسن وميل نحو السوء ولو سعى إلى تحسينها في توظيفها الإنسان لعاد خاسئا وهو حسير، وتُمدح بالحُسن مجازا ووصفا لا للحال لا للذات.
/>يصنع الإنسان الأخلاق بتوظيفها لا بالنعت بها، فليس الصبور ممدوحا بذات الصفة والخلق اذا كان واضعا اياه في غير محله، ويمدح الجزع بالصبر اذا تصبر في محل الصبر، كذا الشجاعة فليس شجاعا من اظهرها على ضعيف وليس جبانا من جبن عن قوي، فكان الأول متهورا أو شجعه ضعف الخصم، والآخر شجاعا لعدم اهلية الحال، والشجاعة ادراك الشجاع الربح والفوز لا القوة.
/>كل خلق لابد من صناعته في مناسبته الحال التي يقتضيها، فلكل خلق وظيفة لا تكون إلا في وقت يتطلبها الحال، وفوات وظيفة وقت الخلق سوء خلق، واسرار الاخلاق تكمن في وظائفها، ولكل وقت وظيفته.
/>تصنع الاخلاق يقتضي من المتخلق ان يكون فطنا لأهليته للخلق، وان يأخذ الخلق بحقه، ويعهد إلى نفسه حفظ الوظيفة العملية للخلق، فالأخلاق أمانات مستودعة، وتضييعها جريمة كونية.
/>فسر الاخلاق الحسنة في حسن توظيفها لا في تحسين توصيفها، فالوصائف عابرات دور ليس لهن قرار ولا عليهن تعويل، والدعوى الخلقية لا تقوم إلا على برهان اليقين.
/>