قضية الفساد والمفسدين هاجس كل الأمم - لاشك في ذلك - على اعتبار أن مسألة الإفساد في الأرض مرتبطة بالجنس البشري، فلن يتوقف الفساد إلا مع زوال الإنسان الذي متى ما تخلى عن الخير المتأصل فيه، ظهر النقيض تلقائياً وهو الشر. القانون الوضعي عمل إنساني ناقص بكل تأكيد فمثلما صاغه عقل بشري المنطق يقول إن هناك عقلاً بشرياً آخر يستطيع الالتفاف عليه واختراق ثغراته، ومثلما هناك أشخاص يهابون القانون وعقابه، هناك آخرون لا يخشونه وإلا لما وجدت السجون في العالم، أو وجدناها خالية بعد أن ضاقت جدرانها من كمية المفسدين الذين اعتادوا على كسر القوانين.عزيزي القارئ... تخيل معي وجود جدار منزل وخلفه يوجد مبلغ من المال ملقى على الأرض، فما عليك إلا أن تقفز على الجدار وتسرق المال وتعود، ولكن عليك أن تكون حذراً جداً، لأن المنزل مراقب بالكاميرات وأيضاً من قبل رجال الشرطة فقد يتم القبض عليك في أي لحظة، وقد تنجح.بكل تأكيد هناك من سيخاف أن يقع تحت طائلة القانون الذي سيطبق عليه - لا محالة - وهناك من سيغريه المال ويختار المجازفة على أمل الإفلات وعدم الإمساك به... وهناك من لم يفكر حتى مجرد تفكير في أن يخوض هذه التجربة، ليس خوفاً من القانون ولكن فقط لأن أخلاقه لا تسمح له أن يقوم بهذا الفعل وبمثل هذا ترتقي الأمم، وقس على ذلك جميع أنواع الفساد. الدول لا تقوم على وضع القوانين الصارمة وتطبيقها فقط، فكما أسلفنا هناك من سيكسر القانون أو يلتف عليه إذا انعدمت عنده الأخلاق، فعلى سبيل المثال... هناك دول عمرها آلاف السنين وتملك من الثروات الطبيعية والنفط ما يجعلها أغنى دول العالم وهي مصنفة من أكثر الدول تخلفاً وشعوبها فقيرة كادحة، في المقابل نجد دولاً لا يتجاوز عمرها بضع مئات وهي أكثر الدول تقدماً وتطوراً في العالم، مع العلم أنها لا تمتلك من الموارد الطبيعية والنفط شيئاً، وفي الحالتين كلها دول بها قوانين ودساتير وديموقراطية إنما الفارق هنا الأخلاق، فلا يخفى على أحد أن الدول المتخلفة هي الأكثر تراجعاً في مدركات الفساد، والمتقدمة في مدركات الفساد متقدمة.وأختم بقول أمير الشعراء أحمد شوقي:وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْفَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا