يسود الوضع السياسي اليوم حالة من الهدوء والركود، هذه الحالة تشبه الوضع الذي ساد فترة العطلة الصيفية الماضية، حيث ذكرت في إحدى المقالات بأن هناك هدوءاً غريباً قد يعطي انطباعاً بأن الأمور «طيبة»، ولكن سرعان ما تغيرت تلك الحالة بعد افتتاح دور الانعقاد، فشهدت الساحة السياسية أحداثاً متتالية وسريعة بدأت بعودة الجماهير للاحتجاج في ساحة الإرادة، والمطالبة بمحاربة الفساد تحت شعار «بس مصخت»، ثم جاء بعد ذلك استجوابا وزير الأشغال ووزير الداخلية، ثم استقالة الحكومة، واعتذار رئيس الوزراء السابق، ليكلف بعد ذلك رئيس وزراء جديد... كل هذه الأحداث جاءت في فترة شهر واحد فقط من افتتاح دور الانعقاد! لندخل بعد ذلك في حالة الركود مجدداً.الاختلاف بين حالة الهدوء اليوم وما كانت عليه في الصيف أننا اليوم في حالة هدوء ما بعد العاصفة، بينما في الصيف كانت هدوء ما قبل العاصفة - وهي بالمناسبة صفة خاصة للوضع السياسي في الكويت - فالهدوء اليوم مفتعل ومتعمد، خصوصاً بعد تفاعل الناس مع قضايا الفساد الأخيرة وارتباط كبار المسؤولين في الدولة بتلك القضايا، فالشعب الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وسوء البنية التحتية والخدمات والتضييق الكبير في المعيشة، لم يكن ليسكت عن تلك الفضائح والنهب المنظم للمال العام، في وقت تحاول الحكومة جاهدة وبكل السبل تعويض تلك المليارات المنهوبة من جيب المواطن البسيط، لذلك كانت الإطالة في التشكيل الحكومي، فتحول اهتمام الناس بشكل كبير من كيف سيتم معالجة قضايا الفساد؟ إلى من سيكون ضمن التشكيل الحكومي؟ ومن سيقبل بتلك التركة الثقيلة؟ وكيف سيتم التعامل معها؟هذا الهدوء المفتعل حقق بشكل «موقت» الهدف المبتغى منه، فالناس وإن انشغلت موقتاً عن فضائح الفساد، إلا أنها لم تنسها، وما لم تحل تلك القضايا ويحاسب الفاسد والمفسد فالوضع بالتأكيد قابل للتأزم في أي وقت، ولعلّ أقرب تشبيه لهذا الوضع هو كمن يكنس الأوساخ ويخفيها تحت السجادة فيبدو المكان نظيفاً بينما مع أقل حركة لتلك السجادة ستخرج جميع الأوساخ المتراكمة تحتها... لذلك فحالة الركود التي نعيشها اليوم لن تستمر ما لم تكن هناك مواجهة جدية للفساد ومحاسبة علنية لجميع الفاسدين والمفسدين، الأمر الذي لا أتوقعه من الحكومة الجديدة التي لا تعطي أي انطباع بتغيير النهج الحكومي المعتاد، فتصريح رئيس الحكومة الجديد حول مهلة الشهر لتقديم بلاغات الفساد لا تبشر بالخير، كونه يعطي انطباعاً بأن سمو الرئيس لا يعلم بأن قضايا المال العام لا تسقط بالتقادم، وأن هيئة مكافحة الفساد تعمل على مدار العام، كذلك تصريحه غير الموفق حول عدم إلمامه بالشأن الداخلي كونه منشغلاً بالقضايا الخارجية سابقاً، لذلك أتوقع أن تنتهج الحكومة النهج السابق نفسه، الأمر الذي سيؤدي حتماً للنتيجة وهي الفشل الحكومي في معالجة جميع القضايا العالقة.بالتأكيد أتمنى أن تثبت الحكومة الجديدة بأنني مخطئ، وألا تقوم بلفلفة وطمطمة قضايا الفساد، وتبتعد عن حماية الفاسدين والمفسدين ورعايتهم، وأن تكون حكومة صاحبة نهج جديد ورؤية جدية لانتشال البلد من حالة التراجع المستمرة منذ عقود، فهذا ما ننشده ونتمناه جميعاً كمواطنين متضررين من انتشار الفساد في البلد، أما الاستمرار على النهج نفسه فيعني أن حالة الركود والهدوء ستنكسر قريباً، خصوصاً مع وجود العديد من القضايا العالقة، والتذمر الشعبي الكبير من الأوضاع العامة... فينتهي هدوء ما بعد عاصفة استقالة الحكومة، لتبدأ عاصفة جديدة عنوانها «مكافحة الفساد» ومحركها الرأي العام الشعبي وربما تكون نتيجتها رحيل المجلس والحكومة معاً.

dr.hamad.alansari@gmail.comtwitter: @h_alansari