كان النائب السابق المرحوم حمد الجوعان أحد أبرز رموز العمل السياسي والمعارضة الوطنية، حيث تميز بفكره المستنير وبمواقفه الشجاعة وبرشده في توظيف الأدوات التشريعية الرقابية. لذلك تعرّض لمحاولة اغتيال في الأيام الأولى بعد التحرير.قد تكون أزمة المناخ هي الملف الرئيس الذي تصدى له المرحوم منذ أن كان المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، حيث قدم استقالته اعتراضاً على طلب الحكومة من المؤسسة شراء الشركات المقفلة التي تضررت من أزمة المناخ. وكذلك قدم بمعية نائبين استجواباً - بعد مرور شهرين على بداية عضويته في مجلس 1985 - إلى وزير العدل آنذاك على خلفية أمور عدة كان من بينها اتهامه بإعداد حلول لأزمة المناخ هدفها منفعته الشخصية.ثم نجح في الحصول على موافقة المجلس نفسه على ندبه ليتولى الكشف على سجلات البنك المركزي الخاصة بأزمة المناخ. وبسبب معارضة الحكومة تنفيذ القرار، تم اللجوء إلى المحكمة الدستورية التي أجازت الاطلاع على تلك السجلات، ولكن الحل غير الدستوري أغلق أبواب المجلس.ورغم إصابته بالشلل في النصف السفلي من جسمه نتيجة لتعرّضه لمحاولة اغتيال، أصر الجوعان على استكمال مشواره في التصدّي للفساد، فترشح لانتخابات مجلس 1992 وحصل على عضويته، ولكنه لم ينجح في هذا المجلس بالتصدّي لملفات الفساد كما نجح في المجلس الذي سبقه! ولذلك تساءلت في نفسي، لماذا عجز الجوعان «الرمز الإصلاحي في مجلس 1992» عن تحقيق ما تفوّق فيه الجوعان «النائب المستجد في مجلس 1985»؟ الموثق طبياً أن إصابته لم تؤثر على الجزء العلوي من جسمه، والمؤكد انتخابياً أنها منحته رمزية استثنائية. والمؤكد أيضاً أن مجلس 1992 كان محصناً داخلياً وخارجياً من الحل غير الدستوري. فمجلس 1992 جاء بعد مطالبات شعبية بعودة الحياة البرلمانية تجلّت في «دواوين الاثنين»، وبعد تعهد السلطة في مؤتمر جدّة بإرجاع البرلمان، وفي أجواء ترقب لعودة مجلس الأمة من قبل المجتمع الدولي الذي قاد تحرير الكويت، وبعد اجتماع القوى السياسية في ديوان النائب سيد عدنان عبدالصمد واستنكارها عودة المجلس الوطني، وبعد إفصاح بعض الشخصيات السياسية عن نيتها لعقد مهرجان خطابي في لندن للمطالبة بعودة مجلس الأمة.وجدت الإجابة عن تساؤلي في قصة سردها النائب السابق عبدالمحسن جمال في الدقيقة 5:00 من الجزء الخامس من لقائه مع برنامج «الصندوق الأسود»، حيث قال إنه بعد انتهاء الاجتماع الثاني من اجتماعات نواب المعارضة - التي عقدت قبل الجلسة الافتتاحية لمجلس 1992 - وأنه أثناء مرافقته النائب الجوعان إلى سيارته، أبلغه المرحوم أن «مجلسنا مو اللي هقيناه».بالفعل مجلس 1992 الذي كان يضم 31 نائباً معارضاً، الذين نجحوا في تسمية النائب المعارض أحمد السعدون رئيساً للمجلس، وتمكنوا من توزير 6 منهم، هذا المجلس كان من جهة أخرى مرناً في تصدّيه لملفات التطاول على المال العام، من قبيل المديونيات الصعبة واختلاسات ناقلات النفط الكويتية ومكتب الاستثمار الكويتي في لندن. الشاهد أن الجوعان كان محقاً في تقييمه لزملائه نواب المعارضة في حينه.للأسف، نواب المعارضة اليوم لا يختلفون كثيراً عن نواب المعارضة السابقين، فمن بينهم من تضخمت ثروته كما تضخمت ثروات «القبيضة» من النواب الحكوميين، ومن يخدم أجندات أقطاب خارج الحكومة مثلما يخدم «الانبطاحيين» من نواب الموالاة للحكومة. لذلك العبرة ليست في الانتماء الظاهري للمعارضة أو الموالاة، بل في السيرة والإرث البرلمانيين وتبعاتهما على مدنية الدولة والإدارة الرشيدة لأموال وموارد وممتلكات الدولة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
abdnakhi@yahoo.com