|إعداد حنان عبد القادر|
«إن رسالة الأديب هي أولاً العطاء بكل أشكاله ومجالاته».
« الكتابة معاناة واحتراق، إذ لا إبداع بدون معاناة»
هكذا يرى الروائي إسماعيل فهد اسماعيل الكتابة، وينظر إلى رسالة الأديب.
إنه يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاق بعيداً عن القيود... فجاءته نكسة 1967، بما لا يشتهي.
الكاتب في رأيه: «تشكيل وتعبير عن كل قراءاته، إضافة إلى تجاربه الشخصية ونمط حياته، واندماجه في الحياة، ومدى رد فعله الإيجابي أو السلبي حيالها، إنه يكتب في العام والخاص ، فالكاتب أيا كان ومهما كان يظل كحركة فردية جزءاً من الحركة الكلية».
يقول عن نفسه: «إني مشروع دائب وقلق كي أكون فعالا في زمني وبيئتي، وإني أغص، وإني أبحلق في قاع مرآتي الموشورية، فأجد هذا المشروع مطوقاً بالصعاب، مهدوداً بالشكوك والوساوس... لا تكفيني فعالية الشاهد على الزور والدجل... أريد أيضا فعالية الذي يقاتل ماديا ويوميا ضد الزور والدجل، وهنا بدأ بحثي الدائب عن الكلمة - الفعل، كلمة عارية كثيفة تكشف الواقع وتغيره في الوقت ذاته».
إنه الأديب المبدع إسماعيل فهد إسماعيل...
بدأت علاقتي بسرد ه مع: بعيدا إلى هنا، وسماء نائية، واكتشفت أني أمام رجل ممن تفردوا في كتابة الرواية العربية في عصرنا الحديث، حيث يحمل السرد عند إسماعيل فهد إسماعيل نكهة مميزة، وفيضا من جماليات الأسلوب، وحداثة اللغة.
والذي يضعك على باب الدهشة: غياب هذا الأديب المتفرد عن مكانه المستحق بين أعلام السرد العربي، ربما يقودنا هذا للرأي القائل بالتلميع الإعلامي، وربما كان حظ كاتبنا منه لايتناسب مع مكانته الحقيقية بين الكتاب العرب.
وربما كان للإعلام الكويتي دور يلام فيه، لأنه المسؤول الأول عن تعريف العالم بأعلام الكويت وروادها، في حين يعد لابتعاد البعض عن الصخب الإعلامي وأضوائه دور أيضا في هذا الصدد، وهذا ما تلمحه، ويصير أكيدا عندك إن التقيته. متواضع حد الدهشة، منكر لذاته، بشوش رقيق، ذكي لطيف، متحدّث لبق، صديق حميم يشاطرك الأفراح والأتراح، دمث ودود، يتساوى عنده في التقدير والاحترام الكبير والصغير ويجبرك بلطفه على التقرب منه واحترامه، وأمام هذا النموذج الصادق مع ذاته والآخرين لاتملك إلا أن تشعر بالإكبار لهذا الرجل.
قال ذات حوار: ما الذي يشكله إسماعيل فهد في حياة مجتمعه ووطنه العربي ليقدم سيرته للناس، ومن هو إسماعيل في المحصلة؟!
من كانت هذه سماته... كيف له أن يركض خلف شهرة... أو تحقيق مكسب من وراء الأدب؟!
يتحدث عن هذه الهوية قائلا : عشت في العراق ربع قرن، وكنت أعامل فيها على أني كويتي، وعدت إلى الكويت معلماً فعاملوني على أني عراقي- مع علمهم بأني كويتي.
فقد عاش في العراق فترة صباه، فكانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، الذي عبر عنه بصدق راسماً للمشاعر الإنسانية وواصفا لشخصياته بشكل بالغ الدقة.
وحرص اسماعيل منذ صباه على قراءة القصص الشعبية والكتابات الوجودية، وتأثر بالقصص الشعبي، إلى جانب العديد من الروايات العربية والعالمية التي قرأها في فترة مبكرة من حياته، فقد تأثر بألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وكتاب الأغاني، وجبران خليل جبران ومحمد عبدالحليم عبدالله، ومال إلى الشعر بداية، ثم تحوله إلى كتابة القصة.
مؤثرات كثيرة في بداية مشواره الأدبي أثرت في اتجاهاته وقناعاته: صوت العرب، التأميم، العدالة الاجتماعية، الاشتراكية العربية، الفكر القومي، ثقة الإنسان العربي في تحقيق النصر وقدرته على انتزاع حقوقه بالقوة... الخ.
ومنينا بعد ذلك بنكسة 1967 فيجعله ذلك يعيش في غربة، وتنتهبه أسئلة شتى، فيجد نفسه أمام مراجعة للذات أكثر من كونه أمام هزيمة نظام، فلم يستطع التخلص من دوامة الأسئلة التي جعلته يدور في فلك الحيرة إلى حد القنوط من هدف لم تتوضح معالمه بعد، فطاف البلاد العربية ليعود بعدها متخما بالأصدقاء الصعاليك.
بدأ حياته الأدبية في أوائل الستينات، ومنذ ذلك التاريخ وهو مستمر في العطاء المتميز وقد تحولت الكتابة عنده إلى احتراف منذ أعوامها العشرة الأولى، وقال إن تأثره بالسينما من خلال إلغاء دور الراوي، وترك الحدث يعرض نفسه لفت إليه اهتمام بعض النقاد الحداثيين في حين نعته الكثيرون بالغموض وعدم امتلاك ناصية التعبير بالشكل المطلوب، كانت بدايته متواضعة وفي الوقت نفسه طموحة، وبعيدة عن التقليدية وبعيدة أيضاً عن حب الشهرة، وبدأ إسماعيل فهد إسماعيل تجربته في الإبداع الأدبي بكتابة القصة القصيرة، إذ أصدر عام 1965 مجموعة قصصية بعنوان (البقعة الداكنة) التي كشفت عن بدايات التجربة الإبداعية لديه، وهي محطة جعلته يفكر بضرورة استيفاء شروطه الثقافية والفنية، فأخذ يستبعد فكرة النشر وينكب على القراءة أكثر، حيث يرى أن الكاتب لابد أن يكون ملماً بلغته عاشقا لها، وأن يكون مدركا للتغيرات المتحكمة بمجتمعه وعصره، وأن يعايش تجربته وخبرته الى حد الالتحام، فالكتابة وظيفة اجتماعية مسؤولة عن المشاركة في التغيير، ما يجعل الكاتب يطالب نفسه بموقف فكري معين إزاء قضايا مجتمعه وعصره.
أما الانطلاقة الحقيقية لتجربته الإبداعية فقد تمثلت في روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) من القاهرة... انطلق بعدها من رواية لأخرى ومن كتاب إلى آخر... وهي تعد البداية الفنية الحقيقية له، فقد صدَّر صلاح عبد الصبور الرواية بمقدمة أشار فيها إلى أن هذه الرواية تعد من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي - في ذلك الحين، وقال أيضا عنها: «هذه الرواية لن تمتع القارئ المتعجل... لكنها ستزعج القارئ المخلص الرصين الى التفكير».
ويقول إسماعيل فهد إسماعيل: «انزعجت الرقابة، فصادرت ومنعت الكتب والكاتب أيضا، الذي لا يعنيه هذا النظام العسكري أو ذاك... الكتب التافهة لا تجد من يمنعها».
وتأتي تجربة الاحتلال عام 1991، لتجعله يحمل أوراقه ويتجه إلى الفلبين؛ ليتأمل وطنه حيث يبدو أجمل من بعيد، إنه هروب الى عالم الكتابة، خرجت خلاله: «إحداثيات زمن العزلة».
لعل روايات إسماعيل فهد إسماعيل ترتقي به إلى مستوى عمالقة الرواية العربية، ومع ذلك فلم تحظ رواياته بدراسة شاملة، بيد أن بعض النقاد الذين يؤرخون للرواية العربية لم ينسوا جهود إسماعيل فهد إسماعيل في الرواية العربية، فقد عكست رواياته هموم الأمة ومعاناتها بطريقة تستحق المحاولة النقدية التحليلية التي اختارها الناقد الأدبي عمر صبحي محمد جابر في كتابه: «البنية والدلالة في روايات إسماعيل فهد إسماعيل».
وأفردالكاتب علي الراعي دراسة قصيرة لرواية: «النيل: الطعم والرائحة»، في كتابه: الرواية في الوطن العربي، وقدم الأستاذ أحمد الزعبي دراسة لرواية : «المستنقعات الضوئية» في كتابه : «الإيقاع الروائي» . كما أشارت أمينة العدوان في كتابها: «مقالات في الرواية العربية المعاصرة»، إلى رباعية إسماعيل فهد إسماعيل (الحبل، المستنقعات الضوئية، كانت السماء زرقاء، الضفاف الأخرى).
أما روجر ألن فقد تحدث عن الرباعية نفسها، في كتابه: «الرواية العربية: مقدمة تاريخية ونقدية»، مشيرا إلى أن صاحب هذه الرباعية (أديب محترف)، وأن موضوع هذه الرباعية هو القضايا السياسية.
كما تناول محمود غنايم في كتابه «تيار الوعي في الرواية العربية الحديثة: دراسة أسلوبية»، رواية: «كانت السماء زرقاء» مقتصرا الحديث على تيار الوعي في هذه الرواية وملتفتا إلى ملمح واحد من ملامحه وهو عنصر الذكريات.
أما عبد الكريم المقداد في كتابه: «ملامح الحركة القصصية في الكويت»، فيتحدث عن البدايات الحقيقية للسرد القصصي الكويتي، ذاكرا أبرز أسماء هذه المرحلة كإسماعيل فهد إسماعيل.
وفي رصده لأبرز المسالك السردية عنده يقول: «تمكن إسماعيل فهد إسماعيل من اختراع مسالك سردية وتقنيات فنية جديدة لم تكن متداولة في مشهد القصص الكويتي الخجول آنذاك، ناهيك عن تطرقه لموضوع جديد أيضا على اهتمام كتاب القصة الكويتية، وهو رصد أحوال الوافدين الذين جاءوا محملين بالكثير من الأماني والطموحات التي سرعان ما تحطمت على أرض الواقع.
ثم يبرز المؤلف بعد ذلك التقنيات السردية المختلفة التي اعتمد عليها ، وهي المنولوج والحوار والسيناريو .
لقد عرف إسماعيل فهد إسماعيل أسرار الرواية فانطلق في كتابتها مبتعداً عن القصة التي جربها في بداية حياته، ولكن تبقى الرواية عشقه الأساسي، انخرط في عالمها فجعلته من أمهر الروائيين على مستوى الخليج، إذ يمكن أن يطلق عليه الروائي الأول في الخليج ويعد إسماعيل فهد إسماعيل بصدق المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت؛ إذ يعد صاحب مكان بارز في عالم الرواية العربية.
فانتاجه معروف على مستوى الوطن العربي والعالم، وهو واحد من العلامات المميزة للرواية العربية في العصر الحديث، وقد تخطت شهرته الآفاق في كتابة الرواية ذات التقنية الفنية، والتي ترصد حال الإنسان العربي بفعله الإيجابي والسلبي، من خلال مواجهة التغيرات التاريخية والسياسية والاجتماعية.
ومع أنه لم يكن يسعى للجوائز إلا أنه حصل على الكثير منها، آخرها في بداية الألفية الجديدة عندما حصل على لقب واحد من أفضل مئة روائي خلال مئة عام بصحبة الروائية ليلى العثمان. إن إسماعيل فهد إسماعيل يعد بمنزلة العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت بخاصة. رعايته لعدد كبير من كتاب القصة القصيرة والرواية، واحتضانه لمواهب أدبية إبداعية باتا يمثلان حضورا لافتا على الساحة الكويتية والعربية، فلم يعد مجرد روائي كويتي معروف، إنه أب لكل كتاب القصة والرواية في الكويت.
كاتبة وشاعرة مصرية
aahanaan@hotmail.com
«إن رسالة الأديب هي أولاً العطاء بكل أشكاله ومجالاته».
« الكتابة معاناة واحتراق، إذ لا إبداع بدون معاناة»
هكذا يرى الروائي إسماعيل فهد اسماعيل الكتابة، وينظر إلى رسالة الأديب.
إنه يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاق بعيداً عن القيود... فجاءته نكسة 1967، بما لا يشتهي.
الكاتب في رأيه: «تشكيل وتعبير عن كل قراءاته، إضافة إلى تجاربه الشخصية ونمط حياته، واندماجه في الحياة، ومدى رد فعله الإيجابي أو السلبي حيالها، إنه يكتب في العام والخاص ، فالكاتب أيا كان ومهما كان يظل كحركة فردية جزءاً من الحركة الكلية».
يقول عن نفسه: «إني مشروع دائب وقلق كي أكون فعالا في زمني وبيئتي، وإني أغص، وإني أبحلق في قاع مرآتي الموشورية، فأجد هذا المشروع مطوقاً بالصعاب، مهدوداً بالشكوك والوساوس... لا تكفيني فعالية الشاهد على الزور والدجل... أريد أيضا فعالية الذي يقاتل ماديا ويوميا ضد الزور والدجل، وهنا بدأ بحثي الدائب عن الكلمة - الفعل، كلمة عارية كثيفة تكشف الواقع وتغيره في الوقت ذاته».
إنه الأديب المبدع إسماعيل فهد إسماعيل...
بدأت علاقتي بسرد ه مع: بعيدا إلى هنا، وسماء نائية، واكتشفت أني أمام رجل ممن تفردوا في كتابة الرواية العربية في عصرنا الحديث، حيث يحمل السرد عند إسماعيل فهد إسماعيل نكهة مميزة، وفيضا من جماليات الأسلوب، وحداثة اللغة.
والذي يضعك على باب الدهشة: غياب هذا الأديب المتفرد عن مكانه المستحق بين أعلام السرد العربي، ربما يقودنا هذا للرأي القائل بالتلميع الإعلامي، وربما كان حظ كاتبنا منه لايتناسب مع مكانته الحقيقية بين الكتاب العرب.
وربما كان للإعلام الكويتي دور يلام فيه، لأنه المسؤول الأول عن تعريف العالم بأعلام الكويت وروادها، في حين يعد لابتعاد البعض عن الصخب الإعلامي وأضوائه دور أيضا في هذا الصدد، وهذا ما تلمحه، ويصير أكيدا عندك إن التقيته. متواضع حد الدهشة، منكر لذاته، بشوش رقيق، ذكي لطيف، متحدّث لبق، صديق حميم يشاطرك الأفراح والأتراح، دمث ودود، يتساوى عنده في التقدير والاحترام الكبير والصغير ويجبرك بلطفه على التقرب منه واحترامه، وأمام هذا النموذج الصادق مع ذاته والآخرين لاتملك إلا أن تشعر بالإكبار لهذا الرجل.
قال ذات حوار: ما الذي يشكله إسماعيل فهد في حياة مجتمعه ووطنه العربي ليقدم سيرته للناس، ومن هو إسماعيل في المحصلة؟!
من كانت هذه سماته... كيف له أن يركض خلف شهرة... أو تحقيق مكسب من وراء الأدب؟!
يتحدث عن هذه الهوية قائلا : عشت في العراق ربع قرن، وكنت أعامل فيها على أني كويتي، وعدت إلى الكويت معلماً فعاملوني على أني عراقي- مع علمهم بأني كويتي.
فقد عاش في العراق فترة صباه، فكانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، الذي عبر عنه بصدق راسماً للمشاعر الإنسانية وواصفا لشخصياته بشكل بالغ الدقة.
وحرص اسماعيل منذ صباه على قراءة القصص الشعبية والكتابات الوجودية، وتأثر بالقصص الشعبي، إلى جانب العديد من الروايات العربية والعالمية التي قرأها في فترة مبكرة من حياته، فقد تأثر بألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وكتاب الأغاني، وجبران خليل جبران ومحمد عبدالحليم عبدالله، ومال إلى الشعر بداية، ثم تحوله إلى كتابة القصة.
مؤثرات كثيرة في بداية مشواره الأدبي أثرت في اتجاهاته وقناعاته: صوت العرب، التأميم، العدالة الاجتماعية، الاشتراكية العربية، الفكر القومي، ثقة الإنسان العربي في تحقيق النصر وقدرته على انتزاع حقوقه بالقوة... الخ.
ومنينا بعد ذلك بنكسة 1967 فيجعله ذلك يعيش في غربة، وتنتهبه أسئلة شتى، فيجد نفسه أمام مراجعة للذات أكثر من كونه أمام هزيمة نظام، فلم يستطع التخلص من دوامة الأسئلة التي جعلته يدور في فلك الحيرة إلى حد القنوط من هدف لم تتوضح معالمه بعد، فطاف البلاد العربية ليعود بعدها متخما بالأصدقاء الصعاليك.
بدأ حياته الأدبية في أوائل الستينات، ومنذ ذلك التاريخ وهو مستمر في العطاء المتميز وقد تحولت الكتابة عنده إلى احتراف منذ أعوامها العشرة الأولى، وقال إن تأثره بالسينما من خلال إلغاء دور الراوي، وترك الحدث يعرض نفسه لفت إليه اهتمام بعض النقاد الحداثيين في حين نعته الكثيرون بالغموض وعدم امتلاك ناصية التعبير بالشكل المطلوب، كانت بدايته متواضعة وفي الوقت نفسه طموحة، وبعيدة عن التقليدية وبعيدة أيضاً عن حب الشهرة، وبدأ إسماعيل فهد إسماعيل تجربته في الإبداع الأدبي بكتابة القصة القصيرة، إذ أصدر عام 1965 مجموعة قصصية بعنوان (البقعة الداكنة) التي كشفت عن بدايات التجربة الإبداعية لديه، وهي محطة جعلته يفكر بضرورة استيفاء شروطه الثقافية والفنية، فأخذ يستبعد فكرة النشر وينكب على القراءة أكثر، حيث يرى أن الكاتب لابد أن يكون ملماً بلغته عاشقا لها، وأن يكون مدركا للتغيرات المتحكمة بمجتمعه وعصره، وأن يعايش تجربته وخبرته الى حد الالتحام، فالكتابة وظيفة اجتماعية مسؤولة عن المشاركة في التغيير، ما يجعل الكاتب يطالب نفسه بموقف فكري معين إزاء قضايا مجتمعه وعصره.
أما الانطلاقة الحقيقية لتجربته الإبداعية فقد تمثلت في روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) من القاهرة... انطلق بعدها من رواية لأخرى ومن كتاب إلى آخر... وهي تعد البداية الفنية الحقيقية له، فقد صدَّر صلاح عبد الصبور الرواية بمقدمة أشار فيها إلى أن هذه الرواية تعد من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي - في ذلك الحين، وقال أيضا عنها: «هذه الرواية لن تمتع القارئ المتعجل... لكنها ستزعج القارئ المخلص الرصين الى التفكير».
ويقول إسماعيل فهد إسماعيل: «انزعجت الرقابة، فصادرت ومنعت الكتب والكاتب أيضا، الذي لا يعنيه هذا النظام العسكري أو ذاك... الكتب التافهة لا تجد من يمنعها».
وتأتي تجربة الاحتلال عام 1991، لتجعله يحمل أوراقه ويتجه إلى الفلبين؛ ليتأمل وطنه حيث يبدو أجمل من بعيد، إنه هروب الى عالم الكتابة، خرجت خلاله: «إحداثيات زمن العزلة».
لعل روايات إسماعيل فهد إسماعيل ترتقي به إلى مستوى عمالقة الرواية العربية، ومع ذلك فلم تحظ رواياته بدراسة شاملة، بيد أن بعض النقاد الذين يؤرخون للرواية العربية لم ينسوا جهود إسماعيل فهد إسماعيل في الرواية العربية، فقد عكست رواياته هموم الأمة ومعاناتها بطريقة تستحق المحاولة النقدية التحليلية التي اختارها الناقد الأدبي عمر صبحي محمد جابر في كتابه: «البنية والدلالة في روايات إسماعيل فهد إسماعيل».
وأفردالكاتب علي الراعي دراسة قصيرة لرواية: «النيل: الطعم والرائحة»، في كتابه: الرواية في الوطن العربي، وقدم الأستاذ أحمد الزعبي دراسة لرواية : «المستنقعات الضوئية» في كتابه : «الإيقاع الروائي» . كما أشارت أمينة العدوان في كتابها: «مقالات في الرواية العربية المعاصرة»، إلى رباعية إسماعيل فهد إسماعيل (الحبل، المستنقعات الضوئية، كانت السماء زرقاء، الضفاف الأخرى).
أما روجر ألن فقد تحدث عن الرباعية نفسها، في كتابه: «الرواية العربية: مقدمة تاريخية ونقدية»، مشيرا إلى أن صاحب هذه الرباعية (أديب محترف)، وأن موضوع هذه الرباعية هو القضايا السياسية.
كما تناول محمود غنايم في كتابه «تيار الوعي في الرواية العربية الحديثة: دراسة أسلوبية»، رواية: «كانت السماء زرقاء» مقتصرا الحديث على تيار الوعي في هذه الرواية وملتفتا إلى ملمح واحد من ملامحه وهو عنصر الذكريات.
أما عبد الكريم المقداد في كتابه: «ملامح الحركة القصصية في الكويت»، فيتحدث عن البدايات الحقيقية للسرد القصصي الكويتي، ذاكرا أبرز أسماء هذه المرحلة كإسماعيل فهد إسماعيل.
وفي رصده لأبرز المسالك السردية عنده يقول: «تمكن إسماعيل فهد إسماعيل من اختراع مسالك سردية وتقنيات فنية جديدة لم تكن متداولة في مشهد القصص الكويتي الخجول آنذاك، ناهيك عن تطرقه لموضوع جديد أيضا على اهتمام كتاب القصة الكويتية، وهو رصد أحوال الوافدين الذين جاءوا محملين بالكثير من الأماني والطموحات التي سرعان ما تحطمت على أرض الواقع.
ثم يبرز المؤلف بعد ذلك التقنيات السردية المختلفة التي اعتمد عليها ، وهي المنولوج والحوار والسيناريو .
لقد عرف إسماعيل فهد إسماعيل أسرار الرواية فانطلق في كتابتها مبتعداً عن القصة التي جربها في بداية حياته، ولكن تبقى الرواية عشقه الأساسي، انخرط في عالمها فجعلته من أمهر الروائيين على مستوى الخليج، إذ يمكن أن يطلق عليه الروائي الأول في الخليج ويعد إسماعيل فهد إسماعيل بصدق المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت؛ إذ يعد صاحب مكان بارز في عالم الرواية العربية.
فانتاجه معروف على مستوى الوطن العربي والعالم، وهو واحد من العلامات المميزة للرواية العربية في العصر الحديث، وقد تخطت شهرته الآفاق في كتابة الرواية ذات التقنية الفنية، والتي ترصد حال الإنسان العربي بفعله الإيجابي والسلبي، من خلال مواجهة التغيرات التاريخية والسياسية والاجتماعية.
ومع أنه لم يكن يسعى للجوائز إلا أنه حصل على الكثير منها، آخرها في بداية الألفية الجديدة عندما حصل على لقب واحد من أفضل مئة روائي خلال مئة عام بصحبة الروائية ليلى العثمان. إن إسماعيل فهد إسماعيل يعد بمنزلة العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت بخاصة. رعايته لعدد كبير من كتاب القصة القصيرة والرواية، واحتضانه لمواهب أدبية إبداعية باتا يمثلان حضورا لافتا على الساحة الكويتية والعربية، فلم يعد مجرد روائي كويتي معروف، إنه أب لكل كتاب القصة والرواية في الكويت.
كاتبة وشاعرة مصرية
aahanaan@hotmail.com