إن العلاقة بين أفكارنا ومشاعرنا هي علاقة يعتريها الغموض، وبعض مشاعرنا قريب من أفكارنا، مع أن هناك مواقف تكون عاطفية صرفة، ومواقف عقلانية صرفة، إلا أن معظم شؤوننا ومواقفنا يحتاج إلى حضور الفكر والعاطفة معاً.بعض أحاسيسنا ومشاعرنا هو عبارة عن ردود أفعال، فحين يضرنا أو يظلمنا إنسان من دون أي مقدمات أو أسباب مفهومة، فلا بد من أن نشعر بالغضب والسخط، والرغبة في الانتقام.الأفكار تولّد المشاعر، والمشاعر تولد الحركة، وتوجه السلوك، وإن أردنا إدارة سلوكنا على نحو جيد، فإنه يكون علينا إدارة مشاعرنا. المشاعر تؤثر أيضاً في الأفكار، بل إن بعض الدراسات يفيد أن تأثير المشاعر في الأفكار أكبر من تأثير الأفكار في المشاعر، فالعقل حين تستثيره عاطفة من العواطف لإنتاج أفكار تلائمها، يقوم بذلك على نحو تلقائي وسريع. والواقع يشهد على أن المشكلة لم تكن في خلو الفكر من العاطفة، وإنما في تغول العاطفة على العقل، ودفعه للتلاؤم معها، ولهذا لا بد من إقامة التوازن بين العاطفة والعقل، وهذا يتطلب في معظم الأمر كبح جماح العواطف والانفعالات وضبطَها.العقل يتسم بالصلابة والقوة، ويعتمد المعايير والتحليل المنطقي، والحسابات الدقيقة على عكس العاطفة تتسم بالرقة والسيولة واللامعيارية، وتنزع إلى الفوضى والتقلب والآنية، وهذه المفارقة سبباً رئيساً في نشوء صراع داخلي في كثير من علاقتنا، ويظهر هذا واضحاً في العلاقة بين الرجل والمرأة بوصف الرجل أميل إلى المنطلقات العقلية، وباعتبار المرأة أميل إلى المسارات العاطفية.وإن أردنا أن نوازن بين الفكر والعاطفة فلا بد أن نتفهم الآخرين. كثير من أعمالنا اليومية، هو عبارة عن ردود على أفعال الآخرين الذين تربطهم بنا علاقات وثيقة. ومن طبيعة ردود الأفعال الميل إلى التلقائية، وهذا يسبب لنا الكثير من المشكلات، والحل يكمن في تفهم مشاعر الآخرين ودوافعهم ونوعية اهتماماتهم، وقد يكون ذلك صعباً في بعض الأحيان من غير معرفة التاريخ الشخصي للأشخاص الذين نتعامل معهم على نحو يومي، هناك نساء تعرضن لظلم من قبل آبائهن أو أزواجهن، فصار لديهن موقف سلبي من كل الرجال، والذي لا يعرف ذلك سوف يحكم عليهن بأحكام قاسية ظالمة. إعذار الآخرين، والوقوف منهم الموقف المتوازن، يحتاج إلى المعرفة الكاملة عن تاريخ أي شخص تربطنا به علاقة وثيقة.التوازن بين الفكر والعاطفة يتطلب شيئاً مهماً هو السعي إلى التحرر من استعباد العادات العقلية والنفسية، فتحول أي شيء إلى عادة يعني له تأثير مستمر، وإن كان سيّئاً أو خطيراً فإنه قد يشكّل عاهة فكرية أو نفسية. بعض الأشخاص لديه هوس بإطراء وثناء الناس، وآخر يتطلع إلى الجاه أو النفوذ، وثالث يسيطر عليه حب المال، فتصبح كل خطواتهم على أساس كسب المزيد مما سيطر عليهم، بطرق مشروعة أو غير مشروعة. وهناك عادات في التفكير والتعبير تخل بتوازن الشخصية، من أشخاص أدمنوا المبالغة في وصف الأشياء، أو التعميم الزائد، أو المحاسبة على النوايا، أو شخصنة الأمور، فيدافع عن أفكار مغلوطة أو هي موضع جدل، وكأنه يدافع عن وجوده في الحياة... إن هذه العادات النفسية والعقلية، تلحق بنا أفدح الأضرار، ولهذا فإن علينا الكفاح المستمر من أجل التخلص منها أو تحجيمها.ويبقى توازن الشخصية بين الفكر والعاطفة.

m.alwohib@gmail.com‏mona_alwohaib@