لاحظت في الفترة الأخيرة تزايد الوفيات من أشجار الزيتون في حدائق الكويتيين العامرة، والتباكي عليها في وسائل السوشيال ميديا ولسان حالي يقول: «مين اللي قتل الزيتون»؟والواقع أنه لا أحد مسؤول عن جريمة القتل مع سبق الإصرار والترصد، فالزيتون انتحر وقتل «حالوا بحالوا»، المهم أن الحق «عالزيتون»!***«انتو من صجكم؟ زيتونة عاد»!من الذي جاء بالزيتون إلى بلاد النخيل؟ ومن الذي اختلق من موت الشجرة المرحومة والمأسوف على شبابها، مشكلة؟مشكلة! وهل انتهت مشاكلنا، لتصبح مشكلتنا وأول وآخر همنا زيتونة؟أم أن الكويتي إن لم يجد شيئاً يتحلطم عليه تحلطم عالزيتون؟***بعيدا عن التحلطم، وبمنتهى الجدية، أفهم أن يجمّل مطعم أو مقهى بأشجار الزيتون لأغراض تسويقية، أو حتى التبارك بهذه الشجرة المباركة،التي تذهب فداء لألوف الزيتونات من أجل آكلي الزيتون والليمون، أما أن يقوم مواطن صحراوي «متصحر» بزرع الزيتون في بيئة صحراوية - وخبرتي عن الزراعة بالمناسبة خبرة الفيل نفسها في العزف على البيانو - فذلك بالنسبة لي مدعاة للتندر، أما الندرة الحقيقية فهي توقع أن تثمر ليتغدى جبنة وزيتون ويتعشى بطاطا وزيتون أيضاً، ثم يقارن بين زيتونه وزيتون جاره، كما اعتاد أن يمضي حياته بالمقارنات غير المتكافئة، قبل أن يخلص إلى أن: «كان غير طعم الزيتون... كان غير شكل الليمون»!***لو تركنا زيتون العرب للعرب مثلما تركوا لنا بترول العرب للعرب، لجنينا العنب من دون قتل الناطور، فأموال البترول يمكن أن تشتري تنكة زيتون لكل مواطن ومقابل كل زيتونة «ربطة كنار»، ومقابل كل تينة بمبرة كي لا نبكي على البمبرة، ونبكي على التينة لكننا شعب أدمن التباكي حتى الولع! ***مثلما لا علاقة لهذه الشجرة المباركة المذكورة في القرآن، بما يحصل لها، فالزيتونة تثمر في بيئتها وتموت خارجها، كسمكة انتقلت من البحر إلى اليابسة، فإن الإنسان ابن بيئته يزهر ويثمر ويبدع متى وفرنا له الظروف المناسبة، وعندما نضيّق عليه الخناق، ينازع، فإما أن يموت وإما أن يقتل قاتله «يا دافع البلا»!***يقول الكاتب الراحل الكبير إحسان عبد القدوس في مقدمة إحدى رواياته «لا تسألوا الناس اسألوا الظروف» وللظروف البيئية اليد الطولى، فلا يمكن أن نتوقع لنظيف في بيئة فاسدة أن يفسد، في حين أن بامكانه تنظيف الكون لو وفرت له بيئة نظيفة!
مقالات
رواق
أكبر من زيتونة
12:24 ص