إن العملية الديناميكية لصناعة الأفلام والإخراج المسرحي والتقديم الإذاعي والتلفزي صعبة للغاية، وتعد من الأعمال الشاقة والمرهقة لمن أراد أن يدخل في هذا الميدان أو يعمل في هذا المجال؛ لعل المشاهد يستسهل العملية ويجدها جدّ بسيطة؛ بل ويحسد العاملين في هذا الوسط الحساس؛ لأنه يجهل كيف يدار العمل الفني، فهو يرى عملاً فنياً كاملاً ومتكاملاً، وهناك جوائز وحفلات وسجادة حمراء، فيظن أن كاتب النص المسرحي أو التلفزي أو السينمائي وأن المخرج والممثل والمنتج وجميع العاملين في هذا السلك يعيشون حياة مرفهة مقامها البذخ والحفلات والسهرات. والحقيقة خلاف ذلك فإن «الوسط الفني» كما يطلق عليه من أصعب المجالات وأعتاها؛ فسقطة واحدة لرموز هذا الوسط لا تغتفر؛ حتى لو غفرها الجمهور فلن يغفرها الناقد - لا سيما - صغار النقاد الذين ينتظرون مثل هذه الهفوات ليقتاتوا منها وعليها؛ ناهيك عن الصراع الأزلي بين كاتب النص والسيناريست والمخرج والمنتج والممثل، فتارة تجد الموازين مقلوبة في هذا الوسط، والغلبة تكون للأكثر شهرة، والأكثر شهرة لا يعني أنه هو الأفضل، ولكن قد تكون الظروف والزمان والمكان شيّدت له هذه الشهرة، والشهرة تعطي صاحبها الحق بأن يتدخل في عمل الآخرين، ولنبسّط الصورة أكثر للقارئ، إذا كان النص جيداً وكاتبه من الكتاب المغمورين؛ فتجد الممثل المشهور قد أعطى لنفسه الحق للعبث والتغيير بهذا النص تحت ذريعة الخبرة، وكذلك الصراع بين كاتب النص الأدبي والسيناريست الذي قد يغير ملامح العمل الأدبي المكتوب إذا حوله إلى عمل فني مرئي ومسموع كما شاهدنا في مسلسل «ذاكرة الجسد» للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي. ولنا مقال إن شاء الله حول هذا المسلسل.والسؤال هنا ما مصير النص الأدبي إذا تعرض إلى صراع بين الأطراف المتنازعة (مؤلف النص الأدبي والسيناريست والمخرج والممثل والمنتج)؟ وبغض النظر عن رأيي الشخصي الذي أرى فيه أن الغلبة عادة ما تكون لأقوى هؤلاء شهرة ونفوذاً، وكم من نص أدبي أعدم ولم ير النور بسبب هذا الصراع الذي سيظل صراعاً أبدياً. في السابق، كان المنتج يبحث عن مخرج جيد ليقود العمل الفني دونما أن يتدخل أي كان في عمله، وله مطلق الحرية في إخراج عمله الفني، فكان المخرج هو الذي يقوم باختيار النص الجيد، وهو من يختار الممثلين المناسبين وهو من يختار كاتب السيناريو، حتى وإن كانت هناك وجهات نظر أو ازدواجية فتكون تحت قيادة المخرج وموافقته لها، هنا الفنان لا يخشى أن يسطو على دوره في العمل الفني أحد، والكل يعمل بأريحية وبأخلاق عالية، أما اليوم ففي الغالب يعطى الدور لمن يقدم تنازلات أكثر، لذا نرى أن هناك كثيرا من الفنانين تم تجاهلهم، ولم يلتفت إليهم، وكانت نتيجة ذلك أن بعضهم انكمش، وبعضهم اعتزل حفاظاً على ماء الوجه، وبعضهم تحجج بانتظار نص جيد ومناسب، وبعضهم مات قهراً وكمداً.
* كاتب وباحث لغوي كويتي fahd61rashed@hotmail.com