افترض أن الزمن والشوارع والأرصفة قررت أن تتكلم، فما الذي يمكن أن تحكيه، هل ستتحدث عن غابه الأقدام والسيارات التي تروح أو تغدو طوال النهار إلى بيت الأمة والحكومة، كعقارب الساعة، لتعود دائماً في النهاية إلى نقطة البدء؟ أم عن الذين ينتظرون، يوماً، أو عاماً، بعد آخر، شخصاً صاحب قرار لا يأتي، أو شيئاً لا يحدث؟ هل ستعلق على الذين لا يتوقفون عن تدميرها متظاهرين بإصلاح الأمور؟ ما الذي يمكن أن تحكيه؟
وعلى افـــتراض أن ساعـــة قصر السيف ترجمت، ذات يوم، دقاتها إلى عبارات مفهومة، فعن أي شيء سوف تتحدث؟ هل ستحكي عن قصص الحب التي اندلعت داخل الشرايين مع حرائق الوجع الوطني؟ وماذا نقول لآبائنا وأجدادنا الذين أتوا إلى هذه الأرض الجرداء من كل حدب وصوب يحملون الفقر والعوز والولاء وشاركوا بتأسيس الدولة الحديثة وكانوا مثالاً للإيثار والوطنية ونكران الذات؟
عـــلى افـــتراض أن الجـــدران في الأمـــاكن التـــي تبرم بها الصفـــقات والشبهات والفســـاد قد تخلصت ذات مرة من تأنيب الضمير والرعب الذي يسيطر عليها، فهل هناك من يملك من قوة الأعصاب ما يكفي ليرد بصوت مرتفع لما ستقوله؟
لو جرت محاكمة علانية للحيتان في ساحة الإرادة، وعلى الهواء مباشرة، ومن ثم أُدينت على الولائم المتلاحقة التي تحظى بها منذ عقود، فلمن ستعبر النيران عن امتنانها على اللحم البشري الذي التهمته بشهية مفتوحة؟
لو خطر على بال هؤلاء فجأة أن يكتبوا مذكراتهم، فعلى ماذا سوف يركزون؟
على التدمير المنظم منذ عقود أربعة ونيف؟ أم على صيحات الأسماك التي تئن من ظلم وجور الحيتان؟
المفارقة أن الحيتان في السابق كانت تأكل «بهبرة صغيرة» وتترك الأسماك تعيش بسلام، خلافاً للحيتان في العقود الأخيرة التي تأكل بشراهة و«بهبرة كبيرة».

فيصل فالح السبيعي
محامٍ ومستشار جمعية الصحافيين القانوني