هناك العديد من الأوهام في ثقافتنا الموروثة حول تأثير التربية في شخصية الطفل، والكثير من الناس يظنون أن الطفل أشبه بالعجينة بين يديك تستطيع تشكيلها على النحو الذي ترغبه، وهذا ليس بصحيح، والدليل هو أن الأبوين يمارسان أسلوباً واحداً في التربية لكن سلوكيات أبنائهما ونظراتهم للحياة مختلفة، والأمهات والآباء يشعرون أنهم نجحوا في تربية فلان أو فلانة من أبنائهم على نحو أفضل من نجاحهم في تربية بقية أولادهم، وذلك لاعتقادهم أن الطفل مثل العجينة أو قطعة الصلصال.وبعض من الناس يعتقد أن الجهود التربوية أقرب إلى العقم، وأنها مسألة ربانية، ليس للأبوين يد فيها، ويستدلون على ذلك بما يرونه من أولاد صالحين طيبين تقيين تربوا في أسر سيئة يغلب عليها عدم الالتزام وسوء الخلق، وقد يشاهدون أولاداً سيئين نشأوا بين أبوين صالحين، وهذا أيضاً ليس بصحيح. فالآباء الصالحون قد يربون بطريقة خاطئة، ويعجزون عن تكوين أسرة جاذبة للأطفال، فيتأثر أولادهم بما يرونه ويسمعونه لدى الأقرباء والأصدقاء أو في الشارع من صور وسلوكيات سيئة ومشينة، لا شك أن هداية الله - تعالى - للأبناء أساسية، لكن من يتبنى ويؤمن بهذا التوجه لا بد أن يأخذ بالأسباب.ومن الأوهام الموروثة في شأن التربية ما يعتقده بعض الناس أن المعرفة والثقافة التربوية الجيدة مساهمتها ضئيلة في صياغة شخصيات الأطفال، ويستدلون على هذا بوجود عدد كبير من العظماء نساءً ورجالاً نشأوا في أسر غير متعلمة، ووجود عدد كبير من الرجال الأشرار والنساء الشريرات الذين تربوا ونشأوا في رعاية أمهات وآباء يحملون شهادات عليا.إن كنا جادين في التخلص من الأوهام الموروثة في شأن التربية التي نعيشها لا بد أن نتعرف على طبيعة الإنسان وأنها طبيعة تميل إلى التأجيل أو غير منجزة تمام الإنجاز، أي أن الإنسان حين يولد يكون قد ورث عن آبائه وأجداده خصائص روحية وعقلية ونفسية ومزاجية محددة، لكنه في الوقت نفسه يملك الكثير من الاستعدادات والقابليات التي تمكنه من أن يختلف اختلافاً كبيراً عن آبائه وأجداده، كما أنه لا بد من الإيمان بأهمية المعرفة التربوية في تنشئة الأبناء، مع مراعاة أن المعرفة التي كانت صالحة لتوجيه التربية قبل قرن كثير منها أصبح غير صالح اليوم بسبب تغير الظروف والمعطيات وبسبب ما تم اكتشافه على صعيد الطبيعة البشرية، وهذا يجعلنا ننفتح على الأفكار والمعلومات والملاحظات التربوية الجديدة والاستفادة منها على أفضل وجه.التربية عملية تفاعلية والطفل لا يتفاعل مع المعلومات التي لدى الأمهات والآباء، وإنما يتفاعل مع ما لديهم من اتجاهات ومشاعر وسلوكيات، وما يتخذونه من مواقف، ولهذا فإن ما نحصل عليه من معارف ومعلومات واكتساب خبرات تربوية ليس من أجل وعظ ونصح الأطفال، ولكن من أجل تقويم سلوكياتنا وتحسين إمكاناتنا في توجيههم وتربيتهم، فالأطفال لا يتفاعلون مع الشهادات ولكن مع من يحمل الشهادات، وما دام الأمهات والآباء هم الذين يستكملون طبيعة الطفل، ويصوغون الكثير من التفاصيل في شخصيته، فعليهم الحذر من أن يتخذوا التربية وسيلة لتكريس الواقع السيئ وتوارث الأمراض الخُلُقية والاجتماعية من جيل إلى جيل عبر جسر التربية.
m.alwohib@gmail.commona_alwohaib@