فيما أصبحت «نظرة الريبة» سائدة بين المواطنين، إلى المحاولات الحكومية وسعيها باتجاه «الخصخصة وزيادة رسوم الخدمات التي تقدمها للمجتمع» لتنويع موارد الدخل، لا سيما بعد التصريح الأخير لوزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية مريم العقيل لـ«الراي» عن عدم إمكانية استمرار «الدولة الريعية»، قدم مواطنون تصحيحاً لرؤية الحكومة وتفسيرها لمفهوم الريعية وخلطه بالرعاية، على حد تعبيرهم.وما بين رؤية الحكومة الاقتصادية وتأكيدها «ضرورة تنويع موارد الدخل عبر عمليات التخصيص»، من خلال تقديم تصورات جديدة بعد معالجة بعض الأمور التي كانت محلّ جدل، وموقف أعضاء مجلس الامة، رفع مواطنون «فيتو» ضد هذا التوجه، مصوبين مفاهيم الحكومة بأن ثمة فرقاً بين «الدولة الريعية» و«دولة الرعاية»، فالأولى هي التي يعتمد اقتصادها على الريع مثل استخراج النفط وبيعه، أما الثانية فهي التي تلعب دوراً أساسياً في الرعاية الاجتماعية.«الراي» استطلعت آراء عدد من المواطنين عن التوجه الحكومي، فكانت البداية مع رئيس التجمع العمالي عباس عوض، الذي بين أنه «يجب عدم الخلط بين الدولة الريعية ودولة الرعاية، فالدولة الريعية هي الدولة التي يعتمد اقتصادها على الريع مثل استخراج النفط وبيعه، وهي عكس الدولة التي يعتمد اقتصادها على الانتاج مثل الدول الصناعية والدول الزراعية، أما دولة الرعاية فهي الدولة التي تقدم الرعاية الاجتماعية لمواطنيها، وقد تكون دولة اقتصادها انتاجياً أو ريعياً»، مردفا أن «الكويت دولة رعاية اجتماعية ولكن اقتصادها ريعي يعتمد على استخراج النفط الخام وبيعه».وأضاف عوض «نحن مع وضع حد للدولة الريعية وعدم الاعتماد على المورد الريعي وحده، وتنويع مصادر الدخل، مع الاقتصاد الانتاجي، ولكننا ضد إلغاء دولة الرعاية الاجتماعية، فالرعاية الاجتماعية تخدم غالبية الناس وهم الطبقات العاملة والشعبية»، مبينا أن «الغاء دولة الرعاية يعني إلغاء حقوق اجتماعية مكتسبة مثل مجانية التعليم والصحة والرعاية السكنية».

الحل السحريبدوره، اتفق أسامة العبدالرحيم مع عوض بشأن ضرورة التفريق بين مصطلحي الدولة الريّعية ودولة الرعاية، مبينا أن «الريّعية تعني أن اقتصاد الدولة غير منتج ويعتمد على الريع كما في الكويت التي يرتكز اقتصادها على مورد أحادي هو تصدير النفط الخام فقط، وهي حالة اقتصادية متخلفة من المفترض تجاوزها بتنويع وتوسيع القاعدة الانتاجية للاقتصاد الوطني».وأضاف ان «دولة الرعاية حيث يكون للدولة دور أساسي وحيوي في الرعاية الاجتماعية بتأمين مستوى مناسب للحياة والعيش الكريم لكافة أفراد المجتمع في التعليم والصحة والنقل وغيرها، كما في الدول الاسكندنافية ذات الطابع الاشتراكي الديموقراطي». وعن الخصخصة، قال العبدالرحيم ان «بعض الاقتصاديين الرأسماليين يروّج بأن الخصخصة هي الحل السحري للتنمية الاقتصادية، بالنسبة لنا نرى هذا التصور واهماً ومغلوطاً، وهذا ما أثبتته أزمة النظام الرأسمالي العالمي في العام 2008 بإنهاء وهم نظرية السوق الحر وعدم تدخل الدولة بالاقتصاد».وذكر أنه «في الكويت نرى القطاع الخاص طفيلياً غير منتج ولا يتحمل مسؤولية اختياراته الاقتصادية وكلما واجه أزمة يقتات على الدعم الحكومي والتنفيع من خلال المناقصات والعقود»، مبيناً أنه «من الأولى أن يتم تطوير القطاع العام وتنظيم مؤسساته بالحد من الفساد عن طريق تخفيف مركزية القرار للتشجيع على المنافسة الصحية داخل القطاع العام وتطوير الخدمات كما نرى في التنافس بين الجمعيات التعاونية لتقديم أفضل الخدمات لسكان المناطق ومحاسبتهم في حال تقصيرهم».

تهرب من المسؤوليةمن جهته، قال رئيس مكتب الشؤون السياسية في المنبر الديموقراطي الكويتي يوسف عباس شمساه، إن التعويل على استمرارية النهج الاقتصادي الريعي أو الاعتماد عليه كمنطلق لبناء بيئة تنموية متطورة، يعد مغامرة خاسرة، وخصوصاً عندما يكون دخل الدولة الوحيد هو مصدر ناضب غير متجدد، ويمثل نسبة 90 في المئة من إيرادات الدولة، وهو في نفس الوقت محكوم بتغيرات السوق النفطية غير الثابتة بطبيعتها، مبينا أن «التوجه لإيجاد نهج اقتصادي بديل هو خطوة في الطريق الصحيح، ومدخل أساسي يمكن من إرساء خطط تنموية تحقق نوعاً من الاستدامة والاستقرار الاقتصادي».واعتبر شمساه أن «الدفع باتجاه خصخصة القطاع العام وتسويقه باعتباره إحدى وسائل تنوع مصادر دخل الدولة يعد تهرباً من المسؤولية السياسية وتفريطاً بممتلكات الدولة، ومن هنا فإن المطلوب البحث عن قاعدة إنتاجية تنمي مصادر الدخل لا استنزافه كما هو حاصل الآن». وأضاف أن «الأمر الآخر يتعلق بمنظومة متكاملة، غير محصورة في المواطن فقط، بل تشمل مؤسسات الدولة كذلك، فحين تفرض ضرائب على بعض الخدمات العامة، يتوقع حصول المواطن على خدمات عامة جيدة وممتازة تليق وحجم الضريبة المدفوعة عليها، ومشاركته فيها، فلا يعقل أن يساهم المواطن بضريبة الطرق مثلاً، وطرقنا تعيش حالة لا يرثى لها».من جانبه، قال الدكتور عبدالله حسين «يفترض في أي إصلاح اقتصادي أن ينظر بمنظور زيادة خدمة ورعاية كل المواطنين والمقيمين، بالمقابل الخصخصة ستنقل الملكيات العامة لجميع المواطنين إلى مُلك مجموعة صغيرة من التجار وبهذا تزيد التفاوت الطبقي وتراكم الأموال بيد عدد صغير مما يضر بالمجتمع».وأشار إلى أن «الشركات الخاصة لكي تحافظ على أرباحها تحتاج أن تزيد نسبة البطالة في المجتمع، وأرفض كذلك استخدام الشركات الأجنبية سواء في شراء ممتلكات الدولة أو إدارتها خاصة في المراكز الحيوية في البلد مما قد يشكل خطراً على أمن البلد، وأسوأ جزء في الخصخصة والشركات الخاصة أنها ستتبع دائماً ربحها الخاص لا مصلحة المواطنين».

ضعف الكفاءاتمن جانبه، رأى المهندس بشار حسين القطان أنه «إذا كان التوجه للخصخصة هو تحسين أداء القطاع المراد خصخصته، فإنه اعتراف حكومي بالعجز في اختيار الكفاءات لإدارة تلك القطاعات، وذلك ما نراه اليوم من انحدار في الخدمات المقدمة من طرف الحكومة، فأنا ضد الخصخصة لهذا السبب».وفي ما يتعلق بجدوى فرض الضرائب على المواطنين، رأى القطان أن «ذلك لب الخلاف بين المواطن والحكومة التي تريد فرض الضرائب لتغطية عجزها المالي، والمواطن يرى الهدر الحكومي وسوء الخدمات، فيتساءل المواطن انا أدفع الضريبة مقابل تغطية الهدر الحكومي وسوء الخدمات والمواطن وفي حالة فرضها سيقوم بمحاسبتها حتى على حبة الذرة وذلك ما لا تريده الحكومة».

مع الخصخصة وفي موقف داعم للخصخصة، رأى محمد بن خواش أنها «تقلل الإنفاق الحكومي وتنهي البيروقراطية وتقضي على الفساد، لذا أنا أتفق مع الخصخصة، لكن بشكل مدروس مع وضع ضوابط كالاشتراط على الشركات توظيف العمالة الوطنية وتدريبها ووضع ضمانات وقوانين وحد أدنى للأجور ومزايا للعمالة الوطنية تكفل حقوقهم ومستقبلهم الوظيفي».ودعا بن خواش الحكومة لوضع نظام «جودة» يطبق على الشركات للتأكد من سيرها بالمسار الصحيح بما يرتقي بالبلد، كما يجب أن يتم تطبيق قانون الخصخصة بهدوء وبالتدريج وبالشكل الصحيح كما فعلت ماليزيا وبريطانيا مثلاً.

مواقف شعبية

ربط الضريبة بتحسين الخدمات

بيّن الاعلامي فيصل الحربي أن «فرض الضرائب يعني تقديم خدمات على مستوى عالٍ للمواطنين كما هو حاصل في الدول المتقدمة، إذ تتميز بالطرق الحديثة والخدمات الجيدة سواء في الصحة أو التعليم، وقتئذ ليس لدينا مانع في فرض الضرائب لزيادة دخل البلد، إلا أنه في ظل الاوضاع الحالية ومانراه من ترد في جميع الخدمات، فلا اؤيد فرض الضرائب»، داعيا الشركات العالمية للاستثمار في البلد وتطويره من دون «وسيط» يفرض العمولات على الشركات التي تريد تطوير البلد.

الضرائب بين العدل والظلم

عن فرض الضرائب على المواطنين في الخدمات العامة والطرق لزيادة في دخل الميزانية، قال عباس عوض إن «هناك نوعين من الضرائب: ضرائب عادلة وضرائب غير عادلة»، موضحا أن «من الضرائب العادلة الضريبة التصاعدية على الدخول الكبيرة، وهذه موجودة في معظم انحاء العالم وتتحملها الشركات وكبار الرأسماليين، ونحن مع تطبيقها كجزء من الوظيفة الاجتماعية لرأس المال ولتمويل ميزانية الدولة. وهناك ضرائب غير عادلة مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات التي يتحملها المستهلك مباشرة، ونحن ضدها».

تطبيق النظام الضريبي التصاعدي

أكد يوسف شمساه «ضرورة سن قانون خاص بفرض الضرائب وأهميته، لكن يجب أن تكون آلية الضرائب خارجة من عباءة العدالة الاجتماعية، فمن غير المنطق ولا العدالة مساواة أصحاب الدخول المحدودة بغيرهم، ولتحقيق ذلك لا يوجد أنسب من النظام الضريبي التصاعدي على دخول المواطنين، وليس كما تروج له الحكومة وهو ضريبة القيمة المضافة التي من خلالها يتم تحميل المواطن سوء إدارتها وعدم تحملها للمسؤولية المنوطة بها».

تفعيل برنامج إصلاح اقتصادي شامل

ذكر محمد بن خواش أن «من فوائد الخصخصة تحقيق التنمية بالاعتماد على حرية المنافسة، وإفساح المجال للمشاريع الفردية للمشاركة والتنافس، وتعبئة موارد القطاع الخاص لإنعاشه ولإيجاد إنتاجية عالية، وتفرغ الدولة لإصلاح جهازها الإداري، وتسهيل الإجراءات الحكومية للتخلص من البيروقراطية القاتلة»، معتبراً أن الخصخصة عادة ما تكون وسيلة أو أداة لتفعيل برنامج إصلاح اقتصادي شامل ينعكس ذلك على المواطنين بالإيجاب.