عدت إلى البيت... قالت لي زوجتي:- اليوم ولدنا سرق من الجمعية حلاوة. سريعا استحضرت في عقلي جميع علماء النفس الذين ظلوا يبشرون طوال القرن العشرين بأن الإجرام مطبوع في النفس البشرية وبأنه لا بد من رادع، ثم استحضرت جميع قصص المرشدات النفسيات وأصحاب عيادات الاستشارات ونصوص كثيرة منشورة في الواتساب، والذين أصبحوا يرددون بأنه يجب أن نفرض حصاراً على أبنائنا في زمن الفوضى الرقمية وغياب القيم.استدعى عقلي قول العلم في المسألة، أما قلبي فقد استدعى قصة قديمة، واطمأن لحكاية حدثت معي عندما كنت في عمر 12 سنة... أي أكبر من ابني بست سنوات، عندما سرقت أنا أيضا قطعة حلاوة من صاحب بقالة ذكرته في مقال سابق بعنوان «إرث الحكاية... صفحة سداد مفتوحة»في هذه الحكاية تعلمت أن أفضل الإجابات وأفضل القيم هي تلك التي نتوصل إليها بأنفسنا أولاً.قالت لي زوجتي:- أرجوك لا تضربه... فلقد كلمته وعاتبته وأخبرته أنني لن أخبرك.قلت لها:عمره ست سنوات... ولا يعرف أبعاد السرقة... سأحكي له حكاية.استحضرت النية الصالحة والعمل الصالح ولطف الله وبركاته وأنه معنا يسمع ويرى... ثم دخلت غرفة أطفالي.الابنة 9 أعوام.الأب 35 عاما. الابن 6 أعوام.كان هذا ترتيبنا على السرير وهو ذاته عمر وعينا الشخصي في الحياة.كان ياما كان... الآن. كان فيه بنت اسمها «دلال».الابن مقاطعاً:- معي في الصف في المدرسة، فيه واحدة اسمها «دلال».الأب يكمل... وكانت دلال تحب الألعاب والحدائق والزهور والفراشات والألوان والسمكة الصفراء ورسوم الديناصورات، وإذا صلى أبوها تركب فوق ظهره ولا تتركه في القيام والسجود تسبح معه إذا سبح، وتنفجر من الضحك عندما يركع، وكانت تساعد أمها بالطبخ - خصوصاً في رمضان - ولكنها كانت لا تتحمل الصوم. وفي يوم من الأيام قالت لها أمها:- دلال حبيبتي روحي البقالة اشتري روب بنص دينار وهذا نص دينار... خذيه.وفي البقالة رأت دلال قطعة حلوى تريدها الآن، ولكن المبلغ الذي معها لا يكفي... فحضر الشيطان ووسوس...الابنة مقاطعة:- اوووف... هذه نفس سالفة اليوم اللي صارت...الأب يكمل القصة وكأنه لم يسمع.قال لها الشيطان:خذي قطعة الحلاوة من دون أن يراك صاحب البقالة.فأخذتها دلال بسرعة ووضعتها في جيبها... ولكن صاحب البقالة شاهدها، ولكنه أدار وجه وكأنه لم يشاهدها... في رأيكم ماذا يفعل صاحب البقالة؟الابنة: ينصحهاالابن: شنو يعني ينصحها... يعني يضربها؟الابنة: لا... لا... ينصحها يعني يقول لها إن هذا الشيء غلط ولازم ما تكررها مرة ثانية.الأب يكمل... وأثناء خروج دلال من البقالة قال لها صاحب البقالة:- دلال...أريد أن أخبرك قصة... كان ياما كان في قديم الزمان ولد كل يوم يسرق من البقالة «علكة» وأنا كل يوم أشاهده، ولكني لا أخبره... في رأيك ماذا أفعل معه.الابن مستدركاً:- بس أنا مو كل يوم... هذه أول مرة... ولن أكررها ثانية.الابنة تنفجر من الضحك.الأب وكأنه لم يسمع استدراك الابن وضحكة الابنة... يكمل القصة: دلال أصابها الذهول والدهشة ولم تستطع أن ترد... أعادت الحلاوة إلى مكانها من دون أن يراها صاحب البقالة، وعادت إلى البيت وهي تشعر بالحزن من نفسها وأمام الله... استغفرت ربها وطلبت أن يسامحها.الابن مقاطعا:- أنا بعد كنت زعلان.الأب يسأل:لماذا كنت زعلان؟الابن يستوعب بأن الأب من المفترض أنه لا يعلم ماذا حدث له اليوم.يصمت... تتدخل الابنة وتسأل أخاها:- هل أقول ماذا حدث اليوم؟الابن يرد... لا... أنا أقول.استمع الأب... نفث المعوذات على رأس الابنة... وعندما التفت للابن كان يغط في نوم عميق.

` @moh1alatwan.