نعيش اليوم في العشر الأواخر من شهر رمضان، أعاده الله علينا وعليكم بالخير وبالبركات. ولعلها فرصة مميزه في أن نستلهم فيها من قصص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من العبر والدروس ما هو خير لدنيانا قبل آخرتنا.***كان المسؤول عن الكعبة المشرفة ومفاتيحها وخدمتها أيام الجاهلية رجل يدعى عثمان بن طلحة، وكانت الكعبة تفتح أبوابها كل يوم اثنين وخميس ليدخل إليها فقط عظماء أهل مكة وأكابر القوم.وبعد البعث، جاء رسول الله وهو الذي كان حينها يتيماً وفقيراً، وأراد أن يدخل الكعبة، فما كان إلا أن منعه عثمان ووبخه وأغلظ عليه، إلا أن الرسول كان حينها حليماً فقال له: (يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت) أي أعطيه من أشاء. قال له عثمان لقد هلكت قريش يومئذ وذلت، فقال رسولنا الكريم: (بل عمرت وعزت يومئذ) ولم يستطع حينها أن يدخل الكعبة.مرت السنوات حتى جاء فتح مكة في الثامن من الهجرة، وكان عثمان بن طلحة خائفاً من أن يأخذ منه رسول الله مفتاح الكعبة، فأعطى أمه المفتاح لتخبئه تحت ملابسها. أمر رسولنا الكريم صحابته بأن يذهبوا إلى بيت عثمان ليسألوا عن المفتاح، إلا أن أم عثمان امتنعت أن تعطيهم إياه.أمر سيدنا محمد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب بأن يأتي بالمفتاح من أم عثمان، فلما سمعت أم عثمان صوت سيدنا عمر خافت منه وأعطته المفتاح، فقام بدوره بتسليمه إلى سيدنا محمد، فتحقق معه قول نبينا الكريم بأن المفتاح سيكون بيده يوماً ما وهو الذي لا ينطق عن الهوى.وبعد أن تسلم النبي المفتاح، جاء عم الرسول العباس فطلب منه أن تكون سدانة البيت الحرام (مفتاح الكعبة ورعاية شؤونها) مع السقاية حيث كانوا مسؤولين عنها من قبل، فيجمعون بين السدانة والسقاية، فنزل قول الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). ومع نزول هذه الأية، أعطى رسول الله (تلك الأمانة) المفتاح إلى عثمان بن طلحة وقال: (خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم)، فما أعظم ديننا الحنيف في تأكيده على أهمية الأمانة، وما أعظمك يا رسول الله في صفحك وعفوك عمن وبخك وأغلظ عليك، حتى كنت سبباً في إسلامه بعد الله.***يقول الله عز وجل: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا). سورة قرآنية واضحة ومعبرة عن (الأمانة) في زمن كان فيه بعض من رجالات الدولة مسؤولين عن أموالها ومصالح مواطنيها، إلا أنهم أضاعوها واستغلوا مواقعهم في أكل أموال السحت، حتى صاروا ملاحقين من القضاء هاربين مذلولين لعلهم ينفذون بجلدهم من عقاب الدنيا، لكن بكل تأكيذ فإن عقاب الآخرة أشد وأعظم. والله من وراء القصد!
boadeeb@yahoo.com