شهد محيط السرايا الحكومية في وسط بيروت بعد ظهر اليوم حركة احتجاج صاخبة تقدّمها العسكريون المتقاعِدون احتجاجاً على بنودٍ في مشروع موازنة 2019 في اللحظة التي كانت الحكومة مجتمعة في الداخل لاستكمال مناقشته في جلسة برئاسة الرئيس سعد الحريري.

ونجح العسكريون المتقاعدون، وجلّهم من قدامى القوى المسلّحة، في التقدّم باتجاه المدخل الرئيسي للسرايا بعد تجاوُزهم خطيْ الدفاع الأول والثاني اللذين أقامتْهما القوى الأمنية المولجة حماية المقّر الحكومي تساندها وحدات من مكافحة الشغب ثم انتزاع الأسلاك الشائكة. كما تمكّنوا من تعطيل سيارة مزوّدة بخراطيم المياه وإخراجها من الخدمة. وحاول أحد المعتصمين إحراق نفسه عبر رش نفسه بمادة البنزين، وعلى الفور تدخّل بعض زملائه ومنعوه من ذلك.

ولم يخلُ المشهد الناقم، الذي وقف فيه العاملون في المؤسسات العامة والقطاع التربوي (الرسمي والخاص) في الصفوف الخلفية، من مواجهاتٍ، ولو محدودة، بين «أفواج القدامى» وبين القوى الأمنية، وسط حرْق بعض الإطارات وتهديد العسكريين المتقاعدين باقتحام السرايا وإسقاط الحكومة بحال المساس بحقوقهم ومكتسباتهم وبنظام التقاعد الذي يطال عائلاتهم بعد وفاتهم. وقد نُقل عسكري متقاعد إلى المستشفى بعد إصابته.

وبعد هرْج ومرْج دَهَمَ طاولةَ مجلس الوزراء الذي راح يتابع «الحصار» والتجمعات التي طرقت باب السرايا، دخل وفدٌ من المحتجّين والتقى وزير الدفاع الياس بو صعب الذي قطع مشاركته في الجلسة الحكومية، وسمعوا منه تطمينات حول عدم وجود اتجاه للاقتطاع من رواتبهم وان نسبة الـ 3 في المئة التي ستُحسم كبدَل طبابة سيُبحث تعويضها عبر إلغاء رسم الطوابع الذي يدفعونه عند الاستشفاء مع تأكيد أن لا نية لوقف استفادة زوجة المتقاعد ثم ابنته العزباء من راتبه التقاعدي، وأن إلغاء التدبير رقم 3 (يستفيد بموجبه العسكريون في الخدمة من تعويض على قاعدة تقاضي 3 أشهر عن كل سنة خدمة) غير مطروح في الموازنة.

وانطلاقاً من هذه التطمينات، عاد الهدوء إلى المنطقة المحيطة بالسرايا وانكفأ العسكريون المتقاعدون الى ساحة رياض الصلح حيث خيمة الاعتصام المفتوح، وأنهى مجلس الوزراء جلسته على ان يستكمل البحث غداً، وسط دعوة قدامى العسكريين زملاءهم للبقاء «على أهبة الاستعداد» تحت شعار «إذا عادوا عدْنا ولا نثق بالطبقة السياسية».

وجاء هذا التطور فيما كانت سلسلة الإضرابات تشي باستدراج أزمات بينها طلائع أزمة محروقات بسبب اعتكاف موظّفي الجمارك عن العمل منذ يوم الجمعة الماضي، وهو ما تجلّى في بدء ظهور طوابير على محطات الوقود في بعض المناطق بعد تحذيرات من نقابيين ومن تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان من احتمال تعثّر تسليم المحروقات للسوق المحلية.

كما ناشدت نقابة الصرافين «مجلس الوزراء ووزير المال علي حسن خليل، التدخل لاستثنائنا من قرار اعتكاف ادارة الجمارك التي ينفذ العاملون فيها منذ إعتكافاً رفضا للمس بمخصصاتهم وتعويضاتهم ضمن مشروع موازنة العام 2019، شأنها في ذلك شأن الدواء والمواد الاساسية الاخرى التي لا يمكن حظرها».

وأشارت النقابة في بيان لها الى «المزيد من المضاعفات السلبية التي قد تشهدها الأسواق المالية بفعل هذا القرار الذي يوقف عمل الصرافين، ويؤدي الى عدم توافر السيولة من دولار وغيره من العملات الاجنبية، والى التهافت على المصارف طلبا للنقد الاجنبي والسيولة من جهة أخرى».

وشدّدت على «دورها الاساسي في تلبية حاجة الأسواق المالية، وفي تأديتها لدور الميزان في عملية العرض والطلب، وفي عدم السماح بترجيحها كفة على أخرى، الأمر الذي يؤدي الى استقرار في سعر صرف العملات ويعزز تاليا ثقة المواطن، ويوفر له اطمئنانا يحتاجه، ليس على الصعيد المالي وحسب، انما في كل القطاعات الخدماتية، لا سيما اننا مقبلون على صيف واعد كما يبشر المعنيون».

وفي موازاة ذلك، كان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يعلّق على طريقته «المشفّرة» على التطورات في الشارع، فغرّد «هل يعقل ان يقف بعضٌ من الدولة يتفرج على البعض الآخر يقتحم السرايا الحكومية. هل يُعقل ان نصل الى هذه الدرجة من الفوضى فقط لأنه مطلوب إعادة النظر في التدبير رقم 3 في الحد الادنى لترشيد الانفاق. ما هو المطلوب، الفوضى والافلاس ورفْض الاصلاح.ما هو المطلوب رقم 3 أو لا أمن؟»، قبل أن يضيف في تغريدة ثانية أبْلغ دلالة وغَمَزَ فيها من قناة فريق رئيس الجمهورية ميشال عون: «هل علينا ان ندفع ثمن صراع الأجنحة داخل البيت الواحد من أجل الرئاسة. كفى تلك المهزلة في ظل الصراع الاقليمي الذي بات واضحاً انه لن يوفر أحداً. نعم لإعادة النظر في جوانب من التدبير رقم 3 وكفى تهرّباً من الاملاك البحرية وغيرها من نقاط الهدر. نريد من الرئيس عون حسم الأمور».