بدأت التطوراتُ المُخيفةُ في المنطقة والتي تتظهّر يومياً جوانب جديدة من «رسائلها المَخْفية» على جبهة الولايات المتحدة - حلفائها VS إيران والموالين لها تُلْقي بثقلها على الواقع اللبناني و«تدْخل في الحسابات» سواء لجهة تحديد «سرعة» بتّ هذا الملف أو ذاك أم لناحية رسْم الخيارات بإزاء عناوين ذات بُعْد خارجي.فبينما كان لبنان الرسمي والشعبي يستعدّ للوداع الكبير الذي يقام اليوم الخميس للبطريرك الماروني السابق مار نصر الله بطرس صفير الذي نُقل جثمانه أمس الأربعاء من مستشفى «أوتيل ديو» إلى بكركي حيث سجّي وسط توقعات بمشاركة عشرات الآلاف في التشييع التاريخي (يترافق مع إقفال عام في المؤسسات العامة والخاصة) بينهم وفود دولية وعربية، بدا واضحاً أن مختلف الأفرقاء اللبنانيين باتوا يتهيّبون المنعطف البالغ الخطورة الذي تقف المنطقة أمامَه والذي صار يستوجب وقْف التمادي في المماطلة بمعالجة «الخاصرة الرخوة» في الوضع اللبناني التي يشكّلها الواقع المالي - الاقتصادي الذي تُعتبر موازنة 2019 بداية الطريق لإبعاده عن حافة الانهيار والاستفادة من مخصصات مؤتمر «سيدر 1» البالغة نحو 11.2 مليار دولار. ومن هنا كانت المحاولة التي جرى التفاهم عليها بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري على هامش الإفطار الرمضاني في القصر الجمهوري غروب الثلاثاء لإنجاز مشروع الموازنة في الحكومة يوم أمس الاربعاء في جلسةٍ واحدة او اثنتين (على أن تكون الثانية ليلية إذا دعتْ الحاجة)، على أن يُقرّ بصيغته النهائية غداً الجمعة في جلسةٍ برئاسة عون يعقبها إحالته على البرلمان لبتّه بأسرع وقت.وقبيل بدء جلسة الاربعاء برئاسة الحريري، كان حبْس الأنفاس يسود حيال المَخارج التي ستعتمدها الحكومة لسحْب فتيل الشارع الذي استمرّ على أهبّة الاستعداد للتحرّك اعتراضاً على أيّ مساسٍ برواتب القطاع العام أو بتقديماتٍ اجتماعية أو مكتسبات، كما للتوافق على حدود اعتماد التدبير رقم 3 في المؤسستيْن العسكرية والأمنية وإيجاد قواعد مشتركة في هذا الإطار، ناهيك عما اذا كانت الحاجة ستبقى لفرْض رسوم إضافية على سلع مستوردة. وفي موازاة السعي لطيّ ملف الموازنة حكومياً وتالياً توجيه رسالة إيجابية إلى الخارج حول جدية لبنان في اعتماد مسارٍ إصلاحي واستطراداً الطمأنة الى ديمومة استقراره المالي فلا يكون مكشوفاً من هذا الباب في لحظة الصراع العاصف في المنطقة الذي ترتبط به البلاد أصلاً من زاوية الحيّز الذي يحتلّه «حزب الله» في المواجهة الاقليمية - الدولية مع إيران، بدا أن التوترات في المحيط باتت تحفز بيروت على محاولة وضْع قضية النزاع الحدودي البري والبحري مع اسرائيل على سكة ولو بدايةِ تلمُّسِ طريقِ حلٍّ انطلاقاً من آليات ومبادئ عامة للتفاوض ورعاته.وفي هذا الإطار جرت متابعة حثيثة لمحادثات مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى دايفيد ساترفيلد مع كبار المسؤولين اللبنانيين والتي تركّزت على عنوانيْن: الأوّل الوضع في المنطقة وضرورة التنبّه لأي جرّ للبنان إلى التوتر الاقليمي والعمل لمنْع «حزب الله» من القيام بأي تحرك عسكري في إطار الأجندة الإيرانية من شأنه تعريض البلاد لمخاطر كبيرة، مع تأكيد وجوب الالتزام الكامل بالعقوبات الأميركية عليه.وأشارت تقارير إلى أن ساترفيلد أبلغ المسؤولين اللبنانيين في ما خص موضوع إيران أن واشنطن ليست مهتمّة بالتصعيد مع إيران، ولكنّه أكّد في المقابل أنّ على الإيرانيين أن يفهموا أنّ الولايات المتحدة ستتعامل بجديّة مع أيّ تهديد لمصالحها.والعنوان الثاني النزاع الحدودي بين لبنان واسرائيل والذي كانت بيروت حددت موقفها من مقاربته في رسالة سلّمها الرئيس عون الى واشنطن عبر السفيرة الاميركية وتتضمن آلية متوافَق عليها لبنانياً وتقوم على «تشكيل لجنة ثلاثية تضم لبنان واسرائيل والأمم المتحدة بمتابعة اميركية، وعقد اجتماعات في مقر القيادة الدولية في الناقورة، وإطلاق عملية الترسيم البري والبحري بالتزامن».وفيما كان ساترفيلد يلتقي أمس الأربعاء الرئيسين عون وبري ووزير الخارجية جبران باسيل وذلك غداة اجتماع بالرئيس الحريري أفادت تقارير (تلفزيون LBCI) «أن الأميركيين والاسرائيليين وافقوا على الطرح اللبناني على محادثات بوساطة الأمم المتحدة وبرعاية أميركية من أجل حلّ النزاعات الحدودية عند الخط الأزرق وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر»،وأن المحادثات «تركز حالياً على حجم الدور الذي ستلعبه الأمم المتحدة في هذه القضية ومَن هي الجهة المعنية في المنظمة الدولية للقيام بالوساطة، كما أن البحث يتطرق إلى مستوى التمثيل في هذه المحادثات غير المباشرة وما إذا ستبقى على مستوى العسكريين من الجانبين ام أن تقنيين وديبلوماسيين يمكن أن يشاركوا فيها».وفي سياق متصل، ذكرت معلومات حول حصيلة لقاء الديبلوماسي الأميركي مع الوزير باسيل أن الاجتماع كان إيجابياً جداً وتناول الأوضاع في المنطقة والأحداث الاخيرة في الخليج. كما تم التركيز في اللقاء على موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية وجرى عرض متبادل لوجهات النظر التي تطابقت في الكثير من الأمور، وعُرضت النقاط التي يمكن أن تعرقل مشروع الحل المتوافَق عليه لبنانياً. وقدّم باسيل عدداً من المخارج التي تحفظ للبنان كامل حقوقه البرية والبحرية وتحقق مصلحته الوطنية، على أن يستكمل وزير الخارجية اللبناني مشاوراته داخلياً ودولياً «ليَبْلغ الملف حلاً نهائياً يفتح الباب أمام استثمار لبنان لحقول الطاقة».