كنت - مثل كثيرين من أبناء دفعتي «الدفعات الثلاث الأولى من قسم الإعلام في جامعة الكويت» - لا نحلم بالتخرج في الجامعة إلا لمواصلة دراستنا العليا... سوق العمل لم يستهونا بقدر عشقنا للجامعة.تخرجنا في جامعة الكويت، تقدمنا بطلب ابتعاث، تم قبول بعضنا، فقبولنا جميعاً، أمر غير ممكن وانتظار القبول من دون عمل أمر غير ممكن أيضاً، وهكذا وددنا أنفسنا موظفين بوضع اليد، من دون سابق تخطيط وإصرار.الإصرار زاد مع اكتشاف بيئة العمل الطاردة، التي لا تؤمن بما درسناه، حينما وجدنا أنفسنا غرباء في إدارات إعلام يديرها من لم يدرس أو يمارس الإعلام، وينظر لخريجي التخصص الجديد كنبتة شيطانية أو جنين يتشكل خارج رحم المسؤول، الذي لا يؤمن إلا بعبارة: المسؤول عاوز كده!بين طموح لا يحده شهادات، ورغبة حقيقية في التكيف مع البيئة، التي صُدمنا بها، حاولنا الاستمرار وعيننا على التطور الوظيفي، وقلبنا على التعليم الأكاديمي على أمل افتتاح برامج دراسات عليا في الكويت، تتيح لنا إكمال الدراسة، لكنه حلم غير ممكن في ظل عدم إمكانية الجمع بين الدراسة والوظيفة، ومنع إجازات التفرغ في الكثير من الإدارات، ومستحيل في ظل عدم افتتاح برنامج الدراسات العليا لتخصص الإعلام.بعضنا حاول في تخصصات أخرى - وأنا منهم - وبعضنا تعثر وانسحب - وأنا منهم - فالإعلام قدر وعشق وهوى لا يفقه فيه غير الواقع في غرامه، لذا حاربت وحوربت تحت شعار «وش غايظ الناس غير حبي وحبك».ومع استمرار الحب والرغبة الحقيقية في فهم من نحب، ومع اقتراب موعد فراق الذين حاربونا وطفشونا من دواماتنا وقتلناهم بتطنيشهم، مع إقرار قانون التقاعد المبكر اشتقت للحلم القديم، وبدأت قبل البدء في إجراءات التقاعد مراسلة الجامعات للتقديم في برامج الدراسات العليا، ولو كان لشهادة من دون عمل، فعبقرية جامعة الكويت أنها لا توظف للتدريس فيها غير مبعوثيها، ولو تخرجوا من كولومبيا أو هار?ارد، ومع ذلك استمر الحلم لعلنا نحمل أوطاناً لم تحتملنا ونمثلها خارجها، فتعترف بنا في داخلها، حتى انقلب حلم الدكتوراه كابوساً!فقدت شهادة الدكتوراه بريقها، الهالة الساحرة التي صنعها المجتمع لحملة الدكتوراه، انقلب فيها السحر على الساحر، وصار حاملها - الذي كان ينظر إليه كعاقل وفهمان ومفكر وموضوعي في موقع الشبهات بكذب وتزوير وشراء ألقاب يحملها من يجهلها، تساوى الدكاترة أمام نظرة المجتمع، وصارت الشهادة لا تستحق الجلد لنيلها، وصار الواحد يشتري «مخه أحسن»، طالما أنه يعيش في مجتمع يحده على الريادة، فليستمتع بالحياة ويقضيها أكل وشرب ونوم وسفر وقز!
مقالات
رواق
كابوس الدكتوراه
09:26 ص