ما بين الإعلانات المغرية لبعض شركات التأمين، بتخفيض أسعار وثائق «التأمين ضد الغير» وامتيازات التأمين الشامل، التي يسمع عنها ولا يحصلها، ضاعت البوصلة لدى المؤمّن، الذي وقع ضحية بعض الشركات التي استغلت عدم وعيه، في معرفة ما له وما عليه، قبل التوقيع على وثيقة التأمين، فيما رمى بعض مسؤولي الشركات الكرة في ملعب الزبون، الذي لا يقرأ ما تتضمنه الوثيقة التي يوقع عليها.وفيما أكد هؤلاء المسؤولون أن هم المؤمّن الوحيد يكون سعر الوثيقة، من دون النظر إلى ما فيها من بنود وما يفتقده من مزايا بسبب المبلغ الزهيد الذي يطلبه، أكد مصدر مسؤول في وزارة التجارة أن الوزارة تراقب أوضاع مكاتب التأمين «وفق إمكاناتها المتاحة»، مطالباً بتأسيس هيئة مستقلة للتأمين في الكويت، باعتباره أحد روافد الاستثمار وسوقاً للعمالة الوطنية، وتستطيع بصلاحياتها أن تسيطر على سوق التأمين وتمنع تلاعب المكاتب بالوثائق.«الراي» استطلعت آراء أهل الميدان في هذه القضية، حيث يتهم العملاء بعض الشركات بالتدليس بعد إغراءات السعر القليل، ثم يتم حذف الامتيازات من الوثيقة التي يوقعون عليها، لترد الشركات بأن السعر القليل للتأمين يؤدي إلى حذف بعض الامتيازات من العقد، والزبون يوقعه من دون ان يقرأ. وفي هذا السياق، أكد حسين الحسن، وهو مدير انتاج إحدى شركات التأمين، ان التأمين الشامل يعتبر تغطية واحدة، ولكن يختلف حسب المنافع التي تنظمها الوثيقة وفق اختيار المؤمن عليه، مثل الاصلاح داخل الوكالة خلال السنوات الخمس الاولى من تاريخ الانتاج من دون استهلاك ومن دون رسوم فتح ملف للسيارات الصالون والوانيت، وهناك سيارات يتراوح فتح الملف بها من 25 إلى 500 دينار، وذلك لتغطية الاضرار في حال كان مالك السيارة او قائدها داعما او مدعوما او حادث ضد مجهول او في حال الاصطدام بالجسم الصلب، بالاضافة الى التغطيات الاخرى كالحريق والسرقة والسرقة الجزئية وكسر زجاج السيارة من تطاير الحصى.وبين الحسن أن تنوّع أسماء وثائق التأمين، ما بين بلاتيني وذهبي وفضي، يختلف باختلاف المزايا التي تحويها كل وثيقة والتي يتم اختيارها من قبل العميل، موضحاً أن من تلك المزايا عدم حق الرجوع وطلب سيارة بديلة مماثلة للسيارة المؤمن عليها، سواء بعداد أو لأيام مفتوحة أو محددة، وخدمة الطريق والرنقات وغيرها، فكلما تدفع اكثر تأخذ أكثر. وذكر ان في الكويت 38 شركة تأمين و160 مكتباً بالعمولة موزعة على مناطق الكويت، محذراً من لجوء بعض العملاء الى مكاتب العمولة التي تبيع وثائق التأمين بأسعار تنافسية تصل إلى 11 ديناراً للسيارة الصالون، حيث ان هذه الشركات قد لا تفي بالتزاماتها مع العميل لو تعرض لحادث واحتاج الى تصليح او تعويض، مؤكدا ان هذه الشركات لجأت لهذا الاسلوب لجمع «الكاش» والحصول على أكبر كمية من العملاء على حساب الخدمة التي تقدمها للوثائق ضد الغير.وإذ حذر من مغبة إغراق السوق بوثائق تأمين بأسعار قليلة، طالب الحسن وزارة التجارة بإنقاذ الموقف قبل وقوع المشكلة، مشيراً إلى أن وثيقة التأمين ضد الغير لا يستفيد منها صاحبها بل يستفيد منها المتضرر «المدعوم» سواء كانت أضراراً في سيارته أو دعمت السيارة محلا تجاريا او شجرة أو عمود انارة ملكا للدولة، او تكسير منشأة او أضرارا واصابات جسمانية، فهنا اذا كانت الوثيقة للشركة غير ملتزمة وغير قادرة على الالتزام ببنود عقد وثيقة التأمين يقع الضرر.ونصح الحسن العملاء بأن يتعاملوا مع شركات ملتزمة وألا يبحثوا عن شراء وثيقة بأقل من قيمتها، مناشداً الحكومة إنشاء شركة مملوكة لقطاع التأمين لتوزيع وثائق التأمين بحصص عادلة وبسعر موحد على الشركات، وألا تنحصر في شركات معينة، حيث وصل عدد الوثائق ضد الغير في بعض الشركات الى 90 في المئة من رأسمال مالها، وهذا يشكل خطرا حقيقيا لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وأكد أن شركة التأمين عندما تصلح لعميلها فإنها ترجع الى شركة المتسبب بالحادث لمطالبتها بالتعويض، ولذلك توجد شركات عليها مديونيات بآلاف الدنانير لنظيراتها ولا تستطيع التسديد، علاوة على عدم تسديد فواتير وكالات السيارات التي تصلح عندها مما يمنعها من استقبال عملائها لعسر التسديد.واستذكر الحسن بإعجاب ما قامت به المملكة العربية السعودية، منذ 5 سنوات، بإنشاء شركة مملوكة للدولة تحت مسمى (سما) لتنظيم حركة السوق تحت رقابة البنك المركزي السعودي، ورفع قيمة وثيقة التأمين ضد الغير وإلزام شركات التأمين ببيع حصص متساوية، وتم تعميم الفكرة على الاردن والامارات ونجحوا فيها، بل انهم قاموا بانشاء شركة تدير التعويضات، حيث حققت أرباحاً مجزية عادت على الاقتصاد السعودي بالخير الوفير، متمنيا ان يؤخذ هذا الامر بجدية ويصبح من اولويات «رؤية الكويت الجديدة 2035» كأحد روافد الاقتصاد الكويتي.من جانبه، قال محمد الزناتي، وهو مدير شركة «بروفيشنال» الدولية للتأمين، ان المجتمع غير واع لأهمية التأمين وأنواعه ومميزاته، ولعل نجاح تأمين «عافية» الصحي جعل من تجربته اداة اعلامية لاهمية التأمين ومزاياه، حتى جعل أهالي المتقاعدين وفئات اخرى من المجتمع تطالب بشمولها في بطاقة «عافية»، كما ان هناك شركات كبيرة تطلب تأميناً صحياً لموظفيها وتأمين حياة، معرباً عن أسفه لسحب مادة التأمين من التدريس في الجامعة و»التطبيقي» بعذر ان ليس هناك اقبال من الطلبة لدراستها.وأوضح أن هناك أنواعاً مختلفة من التأمين، لعل آخرها التأمين على الممتلكات الشخصية، مثل التأمين على الشقة المؤجرة، ولا يشترط ان تكون مالكا لها او بناية قيد الانشاء، بل يتم تأمينها وسلامة العاملين بها ومن يمر تحتها لو سقط عليه جسم منها، كما يتم تأمين المنزل من الحريق والسرقة والخرير وغيرها.وبيّن الزناتي ان اتحاد مكاتب التأمين يستعد لإطلاق حملة لتوعية المجتمع بأهمية التأمين وأنواعه ومزاياه، والمخاطر التي يغطيها وتعريف السوق الكويتي على منتجات شركات التأمين.من جهتها، دعت مديرة شركة «دار السلام» ميادة العلي قائدي المركبات الى الابتعاد عن الشركات التي تقدم أسعاراً تنافسية تضر العميل والشركة نفسها، ونصحت كل حامل وثيقة تأمين أن يتعامل مع شركات ذات خبرات سابقة ومرموقة في السوق الكويتي، وألا يلتفت إلى قيمة الشراء القليل للوثيقة ذات القسط القليل، لأن نتائجها غير مرضية تماما، مطالبة العميل بقراءة وثيقة التأمين وخاصة قليلة السعر لأنه سيجد أنه مستثنى من كل الامتيازات التي يعطيها التأمين الشامل، وخاصة اصحاب السيارات الغالية، لأنهم قد يتفاجأون بأن الوكالة التي تقوم بتصليح سياراتهم لا تتعاون مع شركة التأمين وعليها ديون مستحقة لم تدفعها.وأشارت العلي الى ان هناك ألاعيب تقوم بها بعض الشركات غير الملتزمة مع العميل، مثل طلب الليسن ساري المفعول لقائد المركبة، او تصليح قطع الغيار بدل تبديلها، أو أي أعذار أخرى لتأخير العميل في تصليح سيارته او تعويضه.وبينت ان وجود هيئة رقابية على شركات التأمين هو الحل الأمثل لتنظيم سوق التأمين، وتوزيع وثائق التأمين بصورة عادلة وجعلها حكما بين العميل والشركات المتلاعبة، داعية العملاء الى الاتصال على اتحاد مكاتب التأمين في الكويت لمعرفة الشركات المعتمدة للتعاون معها، والابتعاد عن الشركات غير الملتزمة في عقودها، خاصة وان الاتحاد يقوم باعادة تنظيم الشركات العاملة والمنظمة للاتحاد لضبط السوق.مصدر في وزارة التجارة: 3 شركات خفّضت الأسعار لجمع «الكاش» كشف مصدر مسؤول في وزارة التجارة والصناعة لـ«الراي» ان هناك خللا في سوق التأمين نتيجة قيام 3 شركات تأمين بتخفيض اسعار وثائق التأمين ضد الغير بهدف جمع «الكاش» لسد التزاماتهم المالية لوزارة التجارة او الشركات ووكالات السيارات المتعاملين معها، موضحاً أن إدارة التأمين في الوزارة تعمل جاهدة لمراقبة تلك الشركات ومخالفتها وتطبيق القانون حفاظاً على حقوق المؤمنين.وأوضح المصدر ان هناك قانوناً لانشاء هيئة عامة مستقلة للتأمين، تم عرضه على مجلس الامة وقد تمت دراسته في اللجنة الاقتصادية التي رأت ان يكون هناك وحدة تحر للتأمين تفي بالغرض وتماشياً مع سياسة الحكومة في عدم إنشاء هيئات مستقلة، وما زالت الوزارة بانتظار اصدار القانون لنقل ادارة التأمين الى وحدة تحر مستقلة وبصلاحيات اوسع.وأشار المصدر الى ان سوق التأمين في الكويت يتكون من 38 شركة تأمين و130 مكتبا بالعمولة، تشرف عليها ادارة التأمين في وزارة التجارة عن طريق 35 موظفا و15 مفتشا قاموا بتسجيل 12 مخالفة وب 35 جولة تفتيشية خلال 2018. وذكر ان هناك قسما خاصا للشكاوى في الادارة، يتلقى الشكاوى حيث تلقى 176 شكوى رسمية تم اتخاذ الاجراءات القانونية بحقها، وهناك 37 شكوى تم حلها وديا مع الشركات كان معظمها في الاختلاف على قيمة التعويض.ودعا المصدر المؤمن لأن يتوجه الى الشركة ذات الخبرة والمعروفة في السوق، وان يقرأ الوثيقة جيداً قبل التوقيع ودفع الرسوم، مبينا انه باستطاعته ان يضيف اي شرط يرغب فيه او يلغي اي بند قد لا يراه مناسباً او في حاجة له، محذراً من التوجه الى مكاتب التأمين في وكالات السيارات وعليه التوجه الى المكاتب الرئيسية حتى يمكن حفظ حقوقه وبأسعار مناسبة.وعن امكانية التلاعب بوثائق التأمين، وخاصة الشامل منها، أكد المصدر ان وزارة التجارة تقف بالمرصاد لكل متجاوز ولديها الاجراءات الكفيلة بردع المخالفين، «وفي الوقت نفسه اؤكد ان شركات الوطنية محل ثقة ويطبقون القانون ولكن التجاوز من المندوبين وهم مرصودون من الادارة».«الاتحاد» يطالب بهيئة مستقلةأكد أمين عام الاتحاد الكويتي للتأمين عادل الرميح ان انشاء هيئة مستقلة للتأمين مطلب أساسي لشركات التأمين منذ 20 عاماً، وذلك لادارة ومتابعة وتنظيم العمل في قطاع التأمين في البلاد، باعتباره رافداً اساسياً للاستثمار، أسوة بدول الخليج التي أسست هيئات مستقلة، نجحت في تنظيم العمل وقضت على الكثير من السلبيات، وأنهت اشراف وزارة التجارة على القطاع. وقال الرميح لـ«الراي» ان «في الكويت 38 شركة ووكالة تأمين، والسوق الكويتي لا يستوعب أكثر من ذلك»، لافتاً الى انه في 2017 كان اجمالي قيمة اقساط وثائق التأمين نحو 450 مليون دينار، تشمل جميع انواع التأمين. وكشف عن ان الحصة الاكبر كانت للتأمين الصحي للمتقاعدين بعد تطبيق قانون «عافية». واوضح ان انشاء هيئة مستقلة للمتقاعدين سينهي الكثير من المشاكل التي يعاني منها السوق حاليا، مثل استغلال بعض الشركات تخفيض وثائق التأمين ضد الغير للسيارات، كما تحد من المشاكل التي تقع مع العملاء أو بين الشركات نفسها، بالإضافة إلى مراقبة عمل الشركات حسب قدرتها المالية، لضمان تقديم خدمة مميزة للعملاء، وعدم الوقوع في مشاكل قد تؤدي الى اعسارها ماديا، وبالتالي لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه الغير او تجاه مساهميها.
محليات
العميل يختار الوثيقة منخفضة التكلفة من دون أن ينتبه للامتيازات المحذوفة
«فوضى» في سوق التأمين... ابتسامة السعر القليل تزول مع وقوع الحادث
08:41 م