كتاب «النص وما وراء النص - مسرحية: عتيج الصوف ولا جديد البريسم - نموذجا» للكاتبة الكويتية فتحية الحداد، يعدّ من الكتب الأساس في العلوم الأكاديمية للمسرح. فرشت الكاتبة فرشاً جميلاً ورائعاً من العلوم النظرية وجعلتها مفتاحا لفهم كتابها، مستعرضة بذلك النص المسرحي كيف يراه (أمبيرتو إيكو)، ثم بعد ذلك قامت بدراسات ميدانية موثقة مقابلاتها مع كبار الفنانين؛ فكانت هذه الخطوة مكملة للتي قبلها، وختمت بحثها بالدراسات التطبيقية، وبذلك قد نجحت في تحقيق النسق الأكاديمي لمدخل علم المسرح. انطلقت فتحية الحداد، من عنوان المسرحية (عتيج الصوف ولا جديد البريسم) الذي رأت أنه يشكل ما حول النص متناولة مصطلح الباراتكست Paratexte وهو عبارة عن كلمة Texte المقابلة لكلمة نص، ثم Para التي تعني (إلى جانب) لنقول إن الباراتكست أو Paratexte مصطلح تعمق فيه G.Genette، وهو يبحث في معطيات النص وينظم روافدها، فيكون الـParatexte أو «البيري تكست» مجالاً لدراسة النص من خلال الاهتمام بتفاصيل العنوان مرة واسم المؤلف مرة والإهداء والمقدمة والتمهيد مرة أخرى. استخدام هذه العناصر متفرقة أو مجتمعة يؤدي إلى الاعتراف بوجود «نص مجاور» أو «نص محاذ» أو «نص متاخم» يمكن اعتباره «نصاً جانبياً» يؤثر في تحليل النص الرئيس ويثري بالتالي عملية التلقي والتأويل أ.هـ ص 23.ولا تقف مؤلفة الكتاب عند عنوان النص واسم المؤلف والإهداء والمقدمة والتمهيد فحسب؛ بل تجاوزت ذلك كله إلى أن عدت الهامش والحواشي ما هي إلا نصوص جانبية، ولعلها أصابت عين الحقيقة، فكثيرة هي الحواشي والهوامش أصبحت دراسات مستقلة بذاتها، وأفرد لها الكتب فيما بعد من مثل «حاشية الصبان» و«حاشية الخضري»، و«شرح الأشموني» و«شرح ابن عقيل». وقس على ذلك جلّ العلوم.وثمة فرق واضح ينبغي علينا ألا نغفله بين العبارتين «النص وما حول النص»، و«النص وما وراء النص»، إلا أن الكاتبة فتحية حينما أسهبت في تعريف «الباراتكست» رأت أن «النص وما حول النص» يعنى بطريقة البحث واستخدام «النص المحاذي أو المجاور أو المتاخم»، وأن نتيجة استخدام هذا الأسلوب في البحث وتحليل النص اكتشاف ما وراء المعنى والكلمات، أي أن «ما حول النص يخص أسلوب البحث الذي يستفيد من النص المحاذي» أو «الباراتكست»، وأما تعبير «ما وراء النص» فيعنى بالحصيلة أو النتيجة، من هذا المنطلق اخترت أن يكون عنوان كتابي هذا «النص وما وراء النص» لأجعل من البحث «حول النص» وسيلة للوصول إلى ما وراء النص، وبذلك وجدت أن المصطلحين متقاربان من حيث استخدامهما في مجال دراسة النص ليتميز أحدهما من الآخر في مجال التطبيق: الأول يدلنا على امتدادات النص، ويكشف الثاني عن معطيات تلك الامتدادات أ.هـ ص 24.هذا ما رأته الكاتبة فتحية الحداد حول المصطلحين، وإن كنت أرى أن «النص وما حول النص» يعبر عن وجهة نظر ما كتب حول النص، فبالتالي تتعدد الرؤى من باحث إلى آخر. وأما «النص وما وراء النص» فهو يعبر عن معنى غامض لدى كاتب النص، استحالة أن يبوح به لأحد وأشك أن يصل إلى مفهومه أحد، فكل مفهوم لا يخرج عن كونه افتراضيا لا أقل ولا أكثر من ذلك.وفرّقت الكاتبة فتحية الحداد، بين عبارة (نص مسرحي) و(نص مكتوب للمسرح)، باعتبار أن بعض النصوص لا يكتبها مؤلفها دائما بغرض عرضها على المسرح، ودللت على ذلك في الهامش قائلة: «في فرنسا وفي بداية 2007م، تم الاستناد إلى كتاب Johon Gany ونصه (الرجال من المريخ، والنساء من الزهرة)، لتقديم مسرحية بالاسم نفسه، حيث قام Paul Dewandre بمسرحة النص وتقديم العمل ضمن عروض يطلق عليها مسرحيات Humour et café theatre، وبذلك يكون هذا العمل نموذجا معاصرا لنص في الأصل لم يكتب للمسرح ولم يكن نصا مسرحيا، وأعيدت صياغته لينتج عنه نص مكتوب للمسرح» أ.هـ ص 24. ومن جانب آخر، قالت الكاتبة فتحية «في العروض المسرحية كما يقول فرانك إيفاد في كتابه (ألعاب مسرحية - مسرحة الكلمات Frank Evard Jeux theatraux Mettre en scene les most.ellipse 2006 P45.، فإن أول من يقرأ النص المخرج والممثلون وفنيو السنوغرافيا، وهذه القراءة تقوم بدور الفلتر أو المصفي بين النص والعرض»أ.هـ ص 25.ولم توضح الكاتبة فتحية الحداد، ما بعد قراءة النص المسرحي لمن الكلمة النهائية بالتصرف في النص؟ لا شك أن النص المسرحي أو غيره من النصوص إذا انتقل من المكتوب إلى المرئي والمسموع يتعرض لصراع ما بين كاتب النص والسينارست والمخرج والممثل والمنتج، ولعل الغلبة عادة تكون لأقوى هؤلاء الأطراف المتصارعة شهرة ونفوذا، وكم من نص مسرحي أعدم ولم ير النور بسبب هذا الصراع، فعلى سبيل المثال لو تمسك كاتب كلمات أغنية (أنت عمري) التي غنتها أم كلثوم وأصرت أن تغير الكلمة الأولى، فبدلاً من (شوقوني عينيك) جعلتها (رجعوني عينيك)، لو تمسك الكاتب بما كتب، فلن ترى النور هذه الأغنية، ولن يكتب لكاتبها الشهرة، ولطمست كلماته وباتت في طي الأدراج إلى يومنا هذا، فهل باستطاعة مخرج حديث التخرج أن يقف في وجه فنان مخضرم؟ أشك في ذلك.نعود مرة أخرى مع فتحية الحداد، وحديثها حول عنوان المسرحية الذي رأت فيه مرآت عاكسة لمجتمع الانفتاح والثراء المفاجئ، الذي هز المجتمع الكويتي، فكانت تلك الفترة شبيهة بفترة المراهقة الاجتماعية إن صح قولي عنها، إلى أن بدأت بوادر النضج والوعي تظهر على المجتمع الكويتي مع بداية سنة 2000، فماذا قالت الكاتبة الكويتية فتحية الحداد: «عتيج الصوف ولا جديد البريسم - لم تعمل فقط على رسم ملامح بعض التغييرات الاجتماعية في الكويت ما بعد اكتشاف النفط، ولكنها - كنص - ساهمت أيضا بتعريفنا باتجاه الحركة المسرحية في الكويت في نهاية الستينات وبداية السبعينات» أ.هـ ص 26 ؛ مع ملاحظة أن المسرحية عرضت في 19 مارس 1967م.* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com
محليات - ثقافة
مثقفون بلا حدود
«النص وما وراء النص» لفتحية الحداد (1 من 2)
10:04 ص