عندما قرأنا ما قصّه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، عن الرجل الذي قتل مئة نفس، ثم جاء يطلب التوبة فقال له العالِم: وما يمنعك من التوبة؟ كان انطباعنا هو الدهشة من بشاعة القتل، الذي قام به ذلك الرجل مع شعورنا برحمة الله الواسعة، التي لا يحدها شيء!اليوم نشاهد أمامنا رجلاً قتل ما يقارب المليون مسلم بدم بارد وملأ السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين الأبرياء، وبدلاً من أن يُبدي ندمه وتوبته مما فعل، فإن إعلامه يتفنن في الكذب على العالم، ويصف هؤلاء المغدورين بأنهم إرهابيون مجرمون وبأنه قد خلّص العالم من شرورهم!الغريب هو أن بلداناً عربية تتسابق اليوم على فتح سفارات سورية في بلادها، بعدما أقنعت العالم بأن الثورة السورية قد انتهت، وأن سورية قد عادت لقائدها المظفر بشار الأسد! ونحن أمام تطبيع كامل بين سورية وبقية البلدان الغربية، استهلها عمر البشير بزيارته إلى سورية، والافتخار بأن المياه قد عادت إلى مجاريها، قبل أن يفاجئه شعبه بالمظاهرات الحاشدة التي تطالب بإسقاط نظامه، الذي جثا على صدور الشعب السوداني ثلاثين عاماً، وأوصله إلى حالة الفقر والجوع، التي يعاني منها السودانيون اليوم!الغريب هو أن بعض الدول العربية قد أخذت تتفاخر بأنها لم تنقطع عن سورية أصلاً، وأن العلاقات معها ظلت قائمة، إذا فكل هذه الجعجعة والإيهام بالتصدي للنظام السوري كانت خدعة أمام الشعوب العربية، وأن العلاقات كانت «عال العال»!وللأسف إن إعلام تلك الدول قد صمّ آذاننا بالشتم المتواصل لتركيا، وتصويرها بأنها قوة غازية، وأن هدف أردوغان هو إحياء الخلافة العثمانية على حساب العرب، وشاهدنا كثيراً من الشباب المتدين يردد تلك الاتهامات من دون وعي ولا بصيرة!قد يقول قائل إن السياسة تتقبل تحول أعداء الأمس إلى أصدقاء اليوم، وأنه لا يوجد بها أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، وهذا صحيح - على العموم - ولكن ماذا عن الجانب الأخلاقي والعلاقات بين البشر، وهل تسمح الأمور بأن يسير المجرم الملطخ بدماء الأبرياء بين الناس بأمان، وأن ينسى الإنسان إساءات الآخرين حتى ولو كانت مستمرة؟!إن من شأن ذلك أن تتبلد المشاعر بين الناس، وأن تموت العواطف بينهم، وأن تذوب المبادئ والقيم التي يحملها الناس، ومن شأنها ان تحول البشر الى مجتمعات بهيمة لا يفرق الناس فيها بين الحق والباطل، وأن يسطو فيها القوي على الضعيف!لقد عاد العالم الى عصور الجاهلية الأولى، وإلى قانون الغاب والفوضى الخلاقة، وتوارى الحق مستتراً خلف المبادئ والشعارات الكاذبة، وحقّ علينا قول الشاعر محمد مصطفى حمام:ونشيد السلام يتلوه سفّاحونسنّوا الخرابَ والتقتيلاوحقوق الإنسان لوحة رسامأجادَ التزوير والتضليلا