قبل شهور خرجت للعشاء ليلاً مع مجموعة من الصديقات في أحد المطاعم - الذي يحتاج حجزا مسبقا، لا... ويحدد موعد ترك الطاولة والمغادرة بعد - وأثناء العشاء همست لي صاحبتي المحجبة: «عادي أقط حجابي» ولما لاحظت استغرابي من السؤال، أشارت لي إلى رواد المطعم، وهي تتساءل: «وين راحوا الرياييل» كان المطعم يخلو نهائياً من الرجال!قبل أسابيع ذهبت ظهيرة أحد الأيام إلى مطعم في جاك «وجاك هو اختصار مركز جابر بالمناسبة»، كان فيه تقريباً 50 امرأة ورجلان فقط!وقبل أيام ذهبت صباحاً إلى مقهى شديد الازدحام في منطقة سومو «وسومو هي جنوب المباركية للعلم»، كان فيه 27554 بنتاً و3 شباب!ثلاثة مواقف في ثلاثة مشاهد وثلاثة أماكن وثلاثة أزمنة... تلتف حول سؤال وحيد: فين الرجالة؟تكاد ظاهرة انقراض ظهور الرجال في الأماكن العامة تنتشر، إلى درجة أن مجرد وجود الرجال فيها بات يعتبر ظاهرة غير مألوفة تلفت الانتباه!أو لنقل تبادل أدوار، فبعد أن كان وجود البنات في الأماكن العامة يلفت النظر، صار وجود الرجال هو الذي يلفت الأنظار!اعتدنا أن يخرج الشباب للبحث عن الفتيات، فانقلبت الآية وصارت الصبايا يفتشن عن الصبية، وعادة ما يكونون في أماكن يصعب الوصول إليها: الديوانيات ومقاهي الشيشة الرجالية غير المختلطة، «وصارت قليلة مع دخول المساء على خط الشيشة» والأندية الرياضية غير المختلطة، والتي تكاد تقل هي أيضاً.هل اختار الشباب عدم الاختلاط مع الشابات، طوعاً بعد أن رفضها إجباراً؟ بدأ الرجال في الكويت في الآونة الأخيرة في التقلص والاختفاء، ثم الانعزال إلى درجة اعتزال الأماكن العامة!تزايد عدد البنات في كل مكان ابتداء من الجامعات وانتهاءً بمقار العمل، بات يشعر الكثير من الشباب بالاغتراب، كحال كل الأقليات، فما بالك مع امتلاء المقاهي بالبنات ليلاً ونهاراً، ما يجعل وجود الشباب فيها تطفلاً عليها، لأن الانفتاح النسبي غير حقيقي، ولا يجسد واقعية تقبل الطرف الآخر، ومشاركته في أنشطته والتعايش السلمي معه من دون استغراب أو استنكار لوجوده، فاختار الآخر - والمقصود بالآخر هنا هو الرجل الكويتي - أدى إلى البحث عن بدائل له تناسبه أكثر.ما نتج عن المشاهد السابقة مشهد سريالي قلب التاريخ، بتبادل الأدوار، فخرجت النساء من بيوتهن... وعاد الرجال إلى البيت!
مقالات
رواق
فين الرجالة؟
08:00 م