لا تزال وزارة المالية تصارع من أجل الحفاظ على كفاءة الأداء في الموازنة العامة للدولة، وذلك عبر محاولات امتدت على مدار 4 أعوام، وتحديداً منذ بدء أزمة تراجع أسعار النفط منتصف العام 2014، بهدف ضبط معدلات الإنفاق بما يتيح كبح جماح العجز. واستهدفت الوزارة طيلة الفترة الماضية، الوصول إلى حالة التوازن بين الإيرادات والمصروفات تقليلاً للفجوة الهائلة.ويظل سعر برميل النفط هو المحرك الرئيسي للإيرادات والمصروفات في الموازنة، وهو ما دفع الحكومة نحو طريق تنويع مصادر الإيرادات الذي لم يؤت ثماره على الوجه المطلوب حتى الآن.وما إن بدأت معدلات الأسعار تشي أخيراً بنوع من الأريحية لجهة تحقيق فائض هو الأول منذ نحو 5 أعوام، حتى عادت الأمور إلى سابق عهدها مع عودة البرميل إلى الدوران في فلك الـ 50 دولاراً.تغيرات الأسعار دقت ناقوس الخطر مجدداً لاسيما وأن النفط بلغ أعلى مستوى له عند 86 دولاراً مطلع أكتوبر المنصرم، بيد أن «الانفراجة» كانت قصيرة جداً، ولم تدم طويلاً.وبينما تستمر «المالية» في نهجها لتخفيض النفقات درءاً لـ «شبح» العجز الذي يطارد الموازنة العامة، فإنها تواجه في المقابل انفلاتاً على ضفة الاعتمادات المطلوبة من مختلف الجهات والإدارات الحكومية، والتي تتصرف على ما يذهب إليه البعض وكأن «زمن الفوائض» ما زال قائماً.وتعتمد «المالية» في نهجها المتحفظ على ضرورة الاستمرار بمعالجة مواطن الهدر في الميزانية، بما يكفل حق المواطنين، والأجيال القادمة، بالتزامن مع مواصلة الخطوات الإصلاحية الجادة للموازنة عبر الالتزام بتطبيق تعميم قواعد إعدادها وفق الأسقف المحددة.وقد شهدت الوزارة قبل نهاية العام الحالي تغييراً جذرياً في خططها، وذلك من خلال إعادة رسم دور الوزارة في الدولة على يد الوزير نايف الحجرف، حيث شدّد في تصريح على أن وزارة المالية ليست «تجوري» يفتح ويُصرف منه متى ما أرادت الجهات الحكومية، وأن الوزارة هي المدير المالي للدولة.ولكن من الواضح أن المدير المالي للدولة مكبل الحركة في ظل نقص العديد من التشريعات المطلوبة التي يحتاج إليها في طريق الإصلاح المالي، ويأتي على رأسها 3 قوانين:1 - قانون الإذن للحكومة بالاقتراض: يعد بحسب ما يرى مراقبون إحدى الدعائم الأساسية للموازنة، والذي انتهت صلاحيته في أكتوبر من العام 2017، ما يجعل خيارات الدولة في مجابهة العجز المتوقع محدودة، إذ لا يمكنها الاقتراض من أجل تمويل العجز، وصولاً إلى حرمان الوزارة من حقها المجرد في تقييم آليات تمويل العجز، حيث لم يبق أمامها سوى السحب من الاحتياطي العام.وأطلقت الوزارة أكثر من مرة تحذيرات من أن الاحتياطي العام يغطي عجوزات عامين، وبعدها تُسيّل الأصول. ومع تقديم الحساب الختامي للعام المالي السابق (2017 /2018)، وتمويله من الاحتياطي العام للدولة، انقضى نصف المدة، فيما يوشك النصف الآخر على النفاذ بانتهاء العام المالي الحالي (2018/2019)، ليبقى السؤال الأساسي ما الذي سيحمله العام 2019، وهل سيفي الاحتياطي العام بأي مطالبات جديدة دون أثر أو خسائر متوقعة؟2 - الضرائب: تُعد الضرائب بنوعيها «انتقائية» أو«قيمة مضافة» إحدى ركائز تنويع الإيرادات في الموازنة، ولكن لكونها إحدى الآليات المالية التي قد تشكل عبئاً على المواطنين، يرى محللون أن هناك صعوبات في تمرير ضريبة القيمة المضافة، ما يعني أن الدولة تفقد سنوياً نحو 650 مليون دينار، بما يعادل 2.2 مليار دولار إيرادات كان متوقعا تحصيلها منها.وعلى النقيض تماماً، يرجح البعض أن يشهد عام 2019 الموافقة على قانون الضريبة الانتقائية التي تفرض على سلع بعينها، وأغلبها يرتبط بممارسات تكون غير صحية ومضرة، فيما ستحقق للدولة نحو 200 مليون دينار كعوائد، تدعم من خلالها الإيرادات غير النفطية.وفيما تستمر الدولة في محاولة تنمية مواردها المالية من دون زيادة أعبائها، تبرز في المقابل بعض التشريعات التي قد تشكل عبئاً كبيراً على جانب المصروفات، ما يزيد من شق العجز المتوقع حدوثه في الموازنة، نتيجة زيادة إنفاق الدولة. ومن أبرز ما قد يزيد الأعباء المالية على الموازنة:1 - قانون التقاعد المبكر: يشكل عبئاً على موازنة الدولة تتحمل من خلاله تكلفة قد تصل إلى 400 مليون دينار في النص التوافقي الأخير، وتصبح مليارية في النصف الأول الذي لم يتم التوافق عليه، وهو ما يعني في الحالتين أن الحكومة ستتحمل مصاريف جديدة.2 - بدل البنزين: وافقت اللجنة التشريعية في مجلس الامة على مقترح ببدل بنزين بقيمة تصل إلى 50 ديناراً شهرياً، وهو أمر من شأنه تقويض جهود الدولة في ملف إصلاح الدعوم، إذ إن المبلغ المفترض توفيره من تلك الخطوة، قد يتم دفع أكثر منه لتمويل دفع الـ 50 ديناراً لكل مواطن، ما يعني أن جهود الإصلاح لا تزال تدور في حلقة مفرغة، وليبقى السؤال «هل تخرج الكويت من نفق العجز لتعود إلى زمن الفوائض؟».
اقتصاد
ماذا ورثت 2018 إلى 2019 ؟
موازنة / هل تعود الكويت إلى «زمن الفوائض»؟
04:37 ص