بعتاب المُحب الحريص على مصلحة وطنه، أكدت كوكبة من علماء الجغرافيا الكويتيين، أعضاء قسم الجغرافيا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، أن «القسم يمتلك خبرات وكفاءات متنوعة تؤهله ليكون جزءا من عمل الدولة لمواجهة الأمطار والسيول، التي تعرضت لها البلاد أخيراً والتي قد تتكرر في المستقبل»، معتبرين أن «الكارثة التي حدثت جراء الأمطار والسيول كانت نتاجا للتجاهل الذي حدث من قبل كثير من مؤسسات الدولة للمتخصصين ومنهم علماء الجغرافيا». وقال علماء الجغرافيا في لقاء مع «الراي» إن «فريق إدارة الأزمات في الحكومة لم يضم من بين أعضائه جغرافياً واحداً، والكفاءات الكويتية موجودة، وتخرجنا في أفضل جامعات العالم، ومن المفترض أن تتم الاستفادة من هذا الكوادر»، منوهين في الوقت ذاته إلى أنه «كلما زاد العمران زادت آثار السيول المدمرة». وتابعوا: «إن في إمكان نظم المعلومات الجغرافية تقييم كمية الأمطار والأضرار الناجمة عنها، وكلما زادت المعلومات كان التقييم دقيقاً كون أن الخرائط الجغرافية تلعب دورا كبيرا في عمل التقييم، ويمكن تحديد الأماكن التي يتعين اخلاؤها في المستقبل، من خلال نظم المعلومات الجغرافية».وفي ما يلي رأي علماء الكويت في قضية مواجهة الأمطار وآثارها. أكد رئيس قسم الجغرافيا الدكتور عبيد العتيبي ان «القسم يملك كفاءات متنوعة ومتكاملة، كما يملك رؤية لما يجب أن يتم عمله تجاه هذه الأزمات، التي قد تتكرر في المستقبل». وأضاف «جزء من مهام قسم الجغرافيا بكلية العلوم الاجتماعية هو اطلاع المجتمع على ما في القسم من قدرات وكفاءات علمية لا يستهان بها، لأن جزءا من ابحاثنا يتعلق بقضايا تهم المجتمع، ومنها ما يحدث من تغير مناخي على المستويين العالمي والإقليمي، وانعكاس ذلك على الكويت، وكذلك كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية وإدارة الأزمات، لتجنب هذه الأزمات ومعالجتها».وتابع: «كان من المهم قبل أن يخطط لمشاريع المدن والطرق أن تؤخذ استشارة المتخصصين، وخاصة في علم الجغرافيا، الذي يقوم على دراسة الأمر بشكل متكامل، وهذه الكارثة نتاج لهذا التجاهل الذي حدث من قبل كثير من مؤسسات الدولة ووزاراتها من خلال إقامة مشاريع دون أخذ هذا الأمر في الاعتبار، فهم يعتمدون على مهندسين ليس لهم اطلاع على طبوغرافية المنطقة ومجاري المياه، وقد تكون الرؤية التخطيطية قاصرة». وعن الحلول المقترحة لمواجهة الأمطار، قال العتيبي إن «جزءا من الحلول هو تحويل مياه الأمطار وضخها لخزانات والاستفادة منها قبل أن تتجه للمناطق السكنية أو الطرق وحدوث الكارثة، وهذا جزء من الحلول لأنه من المتوقع أن تحدث الأزمة نفسها العام المقبل، وقد تحدث بعد عامين أو ثلاثة». من جانبه قال الدكتور محمد شافي عبدالله «إن كمية الأمطار التي سقطت على الكويت أخيراً لها سوابق في السنين الماضية، وفق البيانات التي راجعتها منذ 1992 وحتى عام 2016 وفقاً للبيانات التي تصدر عن الإدارة المركزية للإحصاء». وأضاف أن «الكويت تقع في نطاق نظام المناخ الصحراوي، والمطر في هذا النظام يمتاز بأنه قليل وغير منتظم ومضطرب من حيث الكم ووقت السقوط. وهناك عدة تفسيرات لنظرية التغير المناخي، فالبعض يقول أن التغير المناخي حادث بسبب النشاط البشري السلبي، وآخرون يرون ان هناك دورة مناخية تحدث سواء باتجاه البرودة أو الحرارة، وكلا الفريقين لديهما دلائلهما». وعن قضية التغير المناخي العالمية، قال عبدالله «هناك عملية تسييس للتغير المناخي، فمثلاً الدول الكبرى تفرض على دول المنطقة دفع ضريبة الكربون، بالرغم من ان دول المنطقة لا تتسبب في انبعاثات الكربون بالقدر نفسه الذي تتسبب به الدول الكبرى، وبالتالي فإن دول الشرق الأوسط هي الحلقة الأضعف». وبين أنه «أحيانا لا تتسبب الأمطار بحد ذاتها في الكوراث، وإنما تكون الكوارث بسبب السيول الناجمة عن سقوط الأمطار، والإشكال الذي يحدث أن السيل له مجرى يجري فيه ولا يجامل أحدا ولا يعرف حدودا سياسية»، ضارباً المثل بـ «مدينة الأحمدي التي بنيت وصممت بشكل يساعد على تصريف السيول، وهناك مجار للسيول ولم يتم تغيير طبوغرافية الأرض، وانما تم فتح مجال للسيول وقنوات لتجميع المياه بشكل طبيعي، ولكن هذا النظام لم يعمل به في بقية المدن».وتابع «من المفترض أن يسمح للسيول أن تجري حتى تصب في البحر، بحسب الانحدار الطبيعي، فإما أن تجري مع السيل وتتركه في مجراه الطبيعي، أو أن تصنع له تحويل مسار». إلى ذلك قال الدكتور جاسم العلي إن «غالبية الدول المصدرة للبترول تصدره خاما، أما الدول الصناعية فهي التي تتسبب بشكل رئيس في الانبعاثات الكربونية، وبالتالي فإن من المفترض أن تتحمل الدول الصناعية ضريبة الانبعاثات الكربونية، ووجدنا أن بعض الدول مثل أميركا خرجت من اتفاقية المناخ»، موضحاً أن «الغلاف الجوي عبارة عن منظومة متكاملة، سواء شرق الكرة الأرضية أو غربها أو شمالها أو جنوبها، وأي تغير في المناخ يؤثر على كل دول العالم تقريباً، والتنبؤات الجوية تقول إن هناك ارتفاعا في درجات الحرارة، خصوصاً على المناطق القريبة من خط الاستواء، سواء في شمال أو جنوب الكرة الأرضية». وعن توقعات المناخ في الأعوام المقبلة، أوضح العلي أن «التوقعات بالنسبة للكويت على مدى المئة عام المقبلة تقول إنه سيكون هناك ارتفاع في درجة الحرارة، ويمكن ان تصل إلى 55 درجة مئوية مع قلة الأمطار، لكن الأمطار القادمة بسبب التيارات الهوائية ستكون غزيرة»، موضحاً أن «طبوغرافية سطح الأرض تبين أن أعلى سطح أرض في الكويت في المنطقة الغربية وتنحدر في المنطقة الشرقية، وبالتالي فإن جريان المياه يكون من المناطق الغربية للشرقية أو لسطح البحر». وتابع «في جنوب الكويت لا توجد مجار لصرف السيول، ولا نخاف من سرعة الرياح وإنما نخاف من كمية الأمطار الساقطة لأنها عندما تتجمع تجري السيول التي تقوم بدورها بتدمير البنى التحيتة وغيرها، في الشمال رأينا تجمع المياه ومرورها تحت خط العبدلي، بسبب وجود فتحات وضعت في السابق كمصرف لمياه الأمطار ولم تسبب أي مشكلة للطرق، وهذا الأمر لا بد أن يوضع في الاعتبار». وقال «كانت هناك أودية في الفنطاس تمر بها المياه بشكل طبيعي وتتجمع في الخباري والمناطق البرية، لكن الزحف العمراني أدى لردمها، كما أن حركة السيارت في البيئة البرية أدت لضغط التربة وجعلها قليلة المسام، وبالتالي لم تعد قادرة على استيعاب المياه». بدوره بين الدكتور محمد المطر أننا «لن نستطيع التنبؤ بالمستقبل إلا بدراسة الماضي والحاضر، قسم الجغرافيا بإمكانه أن يستخدم تكنولوجيا الاستشعار عن بعد لوضع توقعات مستقبلية، والفرق بين المهندس والجغرافي، أن الأول ينظر من تحت الميكروسكوب، والثاني تكون نظرته أشمل، لأنه يأخذ في الاعتبار صور الأقمار الاصطناعية لارتفاعات الأرض ومناطق جريان الماء».وأوضح «عالمياً، فإن الجغرافيين هم جزء من التخطيط العمراني، لأنهم يستخدمون نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، ويستطيعون استخدام نماذج ثلاثية الأبعاد لتوضيح ما ستصير عليه الأمور حال سقوط الأمطار، والكفاءات الكويتية موجودة، ونحن تخرجنا من أفضل جامعات العالم، ومن المفترض أن تتم الاستفادة من هذه الكوادر».وزاد: «الأمطار في الخليج العربي فجائية وغزيرة، والبنية التحتية لدينا مبنية وفقاً للمواصفات العالمية، والمواصفات العالمية ليست قائمة على المناخ الصحراوي الذي تعيشه الكويت، فالمواصفات العالمية قائمة على أمطار منتظمة وقليلة، من المفترض أن تكون المواصفات محلية وليست عالمية»، لافتاً إلى أن «فريق إدارة الأزمات في الحكومة لم يكن بينه شخص جغرافي، حتى الطرق التي يتم اغلاقها يكون ذلك بناء على التجربة، مع أنه يمكن استخدام نظم المعلومات الجغرافية التي تعطينا سيناريو لما ستؤول اليه الأمور عند غلق الشارع». واختتم حديثه بالقول «كلما زاد العمران زادت آثار الفيضانات المدمرة». من جانبه، قال الدكتور أحمد الدوسري «أود أن أشيد بإدارة الدولة للأزمة الماضية، ورغم وجود بعض القصور، غير أنني أعتقد أنه كان هناك نجاح وستكون هناك استفادة من الخبرات في المستقبل». وتابع: «ما حدث ليس جديدا علينا، بل أمور حدثت مرات عديدة في السابق. هناك تغير في المناخ، ففي العام الماضي لم تكن هناك قطرة ماء، أما العام الحالي فالأمطار كانت غزيرة. تخطيط المدن عندنا ليست به روح محلية، فمن خططها أزرق العينين لم يأخذ في الاعتبار طبوغرافية الأراضي الكويتية». وأضاف أن «الأمطار في المناطق الصحراوية تتفاوت كماً ووقتاً، فهي تأتي مفاجئة بكميات كبيرة، لا تستطيع الأرض أن تمتص هذه الكميات، فالأمطار ليست أمطارا لندنية خفيفة، ويجب أن يكون هناك تخطيط مسبق قائم على حصر مياه الأمطار في خزانات والاستفادة منها في ري الحيوانات والزراعة، وقد تتم اعادة ضخها في المياه الجوفية». وأوضح الدوسري أن «قسم الجغرافيا يقوم بتدريس الطلاب وتأهيلهم، بالإضافة إلى إعداد الأبحاث العلمية للاستفادة منها، الأمر الذي يمكننا من وضع تصور وسيناريوات لما سيحدث»، مردفاً بالقول «أرسلت كتابا رسميا قبل الأمطار للأرصاد الجوية، طلبت فيه كمية الأمطار وبياناتها ولم يرد علي أحد حتى الآن، ولا أعلم السبب في ذلك، رغم انني أقوم بأبحاث رسمية، وهذه ليست شكوى وإنما أود معرفة السبب في عدم الحصول على هذه المعلومات، الأمر الذي يعرقل أبحاثنا العلمية». وكانت المحطة الأخيرة مع الدكتور محمد النصرالله، الذي قال إن «نظم المعلومات الجغرافية يمكنها تقييم كمية الأمطار والأضرار الناجمة عنها، وبناء عليه يمكن تحديد الأماكن التي يتعين اخلاؤها في المستقبل، وهذا يعتمد على كمية المعلومات، وكلما زادت المعلومات كان التقييم دقيقاً، كون أن الخرائط الجغرافية تلعب دورا كبيرا في عمل التقييم».