ليلة «عدنية» بامتياز، تلك التي قضاها الجمهور الكويتي - أول من أمس - في قاعة الشيخ جابر العلي الموسيقية بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، والتي أحياها الفنان عبدالعزيز السيب بعنوان «عدنيات»، قدم من خلالها 12 أغنية، كان قد لحنها بنفسه، في حين نسج أبياتها باقة من الشعراء، بينهم «مجهول» بشارة الخوري وبهاء الدين زهير. انطلق الحفل بـ«ميدلي» أغاني عبدالعزيز السيب صدحت بها جوقة الكورال بفرقة المركز بقيادة الفنان خالد نوري، قبل أن يعتلي السيب خشبة المسرح ويحظى بحفاوة بالغة من محبيه، الذين عجت بهم قاعة المسرح.استهل السيب الفصل الأول من الحفل بأغنية «لك الحمد» من كلمات «مجهول»، تبعها بأغنية «بلغوها» من كلمات بشارة الخوري، ليحلّق من بعدها بالجمهور الكويتي إلى آفاق طربية أصيلة حين شدا «أملت وصل أحبتي». ومعروف أن السيب يختار كلمات الأغاني بدقة بالغة، كما أنه يتعب ويجتهد في إيجاد صيغة لحنية تواكب جمال الكلمات. ويقول مطلع الأغنية: «أملت وصل أحبتي ما نلته/ أبداً ومر العيش قد أوصلته/ من منصفي من ظالمٍ متحكم/ يزداد ظلماً كلما حكمته/ ملكته روحي ليحفظ ملكه/ فأضاعني وأضاع ما ملكته».بعدها، قدم السيب مجموعة متنوعة من الأعمال التي لاقت تفاعلاً كبيراً من الجمهور الكويتي، لاسيما أغنية «ترى كم» من كلمات بهاء الدين زهير، ومن أبياتها: «ترى كم قد بدت منكم/ أمورٌ ما عهدناها/ وعرضتم بأقوال/ وما نجهل معناها/ وكم جاءت لنا عنكم/ أحاديث رددناها».واشتعلت حماسة الجمهور كثيراً، على وقع أغنية «بدر السماء» التي ألّفها الكاتب الكبير الراحل كامل الشناوي، وكانت مسك ختام الفصل الأول من الحفل. بعد استراحة قصيرة، اعتلى السيب خشبة المسرح من جديد، ليشدو «نريد الخير» من كلمات «مجهول»، تبعها بـ«انتظرتك» من كلمات عبد الإمام عبدالله، ومن أجوائها: «انتظرتك، والكون بلحظة غروب/ انتظرتك، وبدا شوقي يذوب». تلتها أغنية «ياربة الحسن» من كلمات شمس الدين بن البديري، فأغنية «قالت هجرتك»، بالإضافة إلى أغنية بعنوان «ردت الروح» من كلمات أحمد شوقي، ليصدح صوته بأغنية «لا تعتذر» من كلمات عبدالإمام عبدالله. تعود الموسيقي العدنية، التي تروج في السمرات الشعبية في الكويت، إلى مؤسسها الفنان الراحل محمد جمعة خان «1903 – 1963»، المولود في منطقة دوغن في اليمن لأب هندي وأم يمنية، وقد أتاحت له خلفيته الأسرية المختلطة أن يبتدع لوناً غنائياً جديداً يختلف عن الألوان الموسيقية اليمنية الدارجة وقتذاك. وانتقلت موسيقى محمد خان إلى الكويت، حيث تشير المصادر والروايات التاريخية إلى موانئ اليمن في ثلاثينات القرن الماضي، باعتبارها نقطة تقاطع موسيقى محمد جمعة خان مع أسماع أوائل متذوقيها الكويتيين. كان اليمن بموانئه يمثل إحدى المحطات الرئيسية في خطوط الملاحة البحرية بين الخليج العربي والمحيط الهندي، وكان خان يصعد مع فرقته متون السفن التجارية الكويتية حين ترسو في الموانئ، لتسلية بحارتها بإحياء جلسات السمر عليها، وأدى عليها أغاني الصوت الكويتي التي أجادها، بالإضافة إلى أغانيه من اللون الغنائي الجديد الذي ابتكره.يُذكر أن عبد العزيز السيب كانت لديه فكرة مختلفة أتى بها من خارج الفضاء الذي كان يحلق فيه أقرانه، فبعدما أصدر خمسة ألبومات حوت مزيجاً من عدنيات محمد جمعة خان المعادة، بالإضافة إلى أخريات مستحدثة على غرارها، اتجه السيب بالعدنيات شرقاً، ووجد في الموسيقى الشرقية الكلاسيكية بجملها اللحنية الغنية ما يغازل به آذان وذائقة جمهور العدنيات المترقب لما في جعبة مغني جيله من جديد. لجأ السيب إلى التنقيب عن قصائد فصيحة لم يسبق أن غناها أحد من قبل، وهمّ بتلحينها بنفسه على أوزان الإيقاع الشرقي، وما يصاحب ذلك من توزيع موسيقي بين الآلات لتخرج الأغاني بطابع أوركسترالي، على الرغم من استخدامه الآلات ذاتها المعتادة في العدنيات، فأصدر أغاني لا تزال تغنى في السمرات العدنية حتى يومنا هذا، مثل «أحنو إليك» و«بدر السماء».بعد إصداره تسعة ألبومات عدنية، تخللت مسيرة السيب الفنية محطات مختلفة، إذ ابتعد عن الساحة الغنائية في فترات متفرقة، كما خاض تجربة الأغاني الكويتية العامة، بعدما طغت موجتها على الساحة منذ منتصف الثمانينات.
فنون
طار بالجمهور إلى «بدر السماء» وشدا «أمِلتْ وصل أحبتي»
«عدنيات» عبدالعزيز السيب... ألهبت المدرجات في «مركز جابر الثقافي»
01:52 م