يتساءل الكثير من المواطنين حول ماهية المدن الذكية، وكيف ستكون، وماذا ستضيف للكويت، وللشعب الكويتي، وما إذا كانت تدور في فلك ما جاء في مسرحية حامي الديار. فقد تحدث الكثير من المسؤولين حول تطبيق فكرة المدن الذكية في الكويت وتم الاتفاق مع شركات كورية لتنفيذ هذا المشروع على بعض المدن الجديدة التي تنوي المؤسسة العامة للرعاية السكنية تشييدها، ولكن رغم ذلك لاتزال فكرة هذه المدن وما تحويه من تكنولوجيا مبهمة لدى المواطنين.وعلى ضوء ذلك، حاولت «الراي» الوقوف على حقيقة المدن الذكية، وما تحتويه وتضيفه للكويت ومواطنيها، اذا طبقت في المشاريع الجديدة، هذا إذا عرفنا أن التجربة ليست سهلة في الكويت، لأن المطلعين والمختصين في هذا الحقل من البناء قليلون محليا وعربيا، كونه من المشاريع الحديثة في العالم وطبق في عدد قليل من المدن العالمية على تفاوت في التطبيق، ومن هنا نبدأ في بحثنا الذي سيوضح آليات عمل ومفاهيم المدن الذكية ومدى الاستفادة منها.محطتنا الاولى مع نائب مدير عام المؤسسة العامة للرعاية السكنية لشؤون التخطيط والتصميم ناصر الخريبط، الذي قال لـ«الراي» إن «المؤسسة تعمل على ادخال التكنولوجيا الحديثة في العديد من المدن الاسكانية الجديدة، ولدينا عدد من المدن ستكون (ذكية) وهي مدينة جنوب سعد العبدالله و جنوب صباح الاحمد و المطلاع».وأضاف الخريبط أن «الهدف الذي تسعى له المؤسسة هو الاستفادة من احدث انواع التكنولوجيا لرفع مستوى معيشة المواطن، وهذا ما نسعى لتحقيقه في مشاريعنا في المدن الجديدة. وحاليا لدينا عدد من المشاريع تحت التخطيط، وأولى المدن التي ستكون بنظام المدن الذكية هي مدينة جنوب سعد العبدالله، وايضا مدينة جنوب صباح الاحمد، وستتم دراسة مدى استخدام التكنولوجيات الحديثة المعروضة علينا في هذه المدن».واشار إلى ان «من اهم التكنولوجيات التي نبحث ادراجها في مشاريع المؤسسة المستقبلية شبكة رصد البنية التحتية والتبريد المركزي للضواحي، واستخدام شبكات القمامة وشبكات النقل الجماعي، وغيرها الكثير، وسنرى ما يناسب المجتمع الكويتي ويرفع من مستوى المعيشة، نحاول ان نطبقه في مشاريعنا للوصول الى اعلى مستويات التقدم التكنولوجي في بناء المدن الحديثة».بدوره، قال عميد كلية العمارة في جامعة الكويت الدكتور عمر خطاب لـ«الراي» ان مفهوم المدن الذكية برز منذ 20 سنة تقريبا والهدف منه ادخال تكنولوجيا المعلومات في تسهيل اجراءات المواطنين في المدن، وقد طبق هذا الامر في بداية الامر في سنغافورة وهونغ هونغ وبعض المدن الأميركية.وأضاف ان «الهدف الاساسي من المدن الذكية هو تقليل التعامل المباشر مع مؤسسات الدولة، وتسهيل الخدمات داخل المدن التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل بطاقة يحملها الشخص يستطيع الموظف من خلالها دخول العمل والطالب دخول الجامعة، وتفتح البوابة ونظام البصمة وتفتح المكتب وعند صعوده للمواصلات العامة، ويستطيع من خلالها حجز مقاعد الطائرة، ويكون عليها كافة بيانات الشخص ويكون له رقم سري لزيادة الامان في التعامل، ويستطيع من خلالها دفع الالتزامات المالية للدولة من كهرباء وماء وغاز وغيرها».ولفت خطاب الى ان «المدن الذكية تحاول دمج كافة الخدمات للشخص من خلال نظام موحد، ييسر على الشخص انهاء تعاملاته الحكومية وغيرها من خلال الاجهزة الذكية، وذلك لتقليص الوقت الذي تأخذه هذه المعاملات من الشخص في المدن العادية التي لا تعتمد على الذكاء الاصطناعي».وتابع «مفهوم المدن الذكية نشأ بعد ان رأى الخبراء تعقد الحياة في المدن، خصوصاً المدن المركزية والكبيرة اما هذا النظام لا يصلح في المدن الريفية كون الحياة فيها ليست معقدة»،لافتا الى انه «في المدن الذكية تحصيل مباشر للمخالفات ما يعزز ميزانية الدولة ويمنع تجاوز القانون بشكل روتيني دون تدخل بشري، بحيث ان سائق السيارة لو ارتكب مخالفة مرورية يخصم من حسابه مباشرة وان كانت المخالفة جسيمة تخصم من نقاطه، وهي نقاط قانونية تحدد بعدد من النقاط مدى الحياة لردع المخالفين من ارتكاب المخالفات».وأشار خطاب الى انه «في المدن الذكية يكون نظام التبريد والتكييف موضعيا في منطقة مركزية، مثل ما هو موجود في دبي ومطبق في جزيرة النخلة وهذا النوع من التكييف سهل الصيانة وموصول بالمناطق السكنية، وكل بيت يستطيع التحكم فيه ويدفع تكاليفه عن طريق بطاقة خاصة». وبين ان «الذكاء الاصطناعي يعمل على تقليل وتبسيط العمليات المعقدة، والنظم التي نشأت بسبب اتساع المدن لتسهيل حياة قاطني المدن، عن طريق استخدام هذا الامر. فاليابان تعتمد منذ سنوات طويلة على الذكاء الاصطناعي في ادارة مدنها وتعاملات الناس مما اتاح لها الفرصة لاستغلال كوادرها بالشكل الافضل».وذكر ان «الكويت ليست في معزل عن العالم والتطور الذي اجتاحه خلال السنوات الماضية، حيث ان الهاتف الذكي بيد كل شخص حاليا، وبدلا من كون العملية صعبة في الكمبيوتر وتحجج الكثير بعدم الالمام به، الان الكل يتعامل مع اجهزة الهواتف الذكية، ومن هنا تستطيع الحكومات ان تطور من ادائها وتتجه الى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي» مشيرا الى ان المدينة الذكية تعتبر كائنا حيا لما لها من خصائص تفاعلية. وبين ان «الكويت من الدول التي تمتلك كافة المقومات للنهوض بخدماتها والاستفادة من الذكاء الاصطناعي الذي اجتاح العالم، حيث ان عدد سكانها صغير ويقدر ب 4.5 مليون نسمة، والدولة لديها القابلية للاستفادة من التكنولوجيا، ولديها القدرة الاقتصادية وتعتبر هذه الخطوة اضافة مهمة للكويت والمدن الجديدة التي تتجه الكويت لانشائها وفقا لهذه التكنولوجيا».من جانبه، قال سفير جمهورية كوريا الجنوبية في الكويت هونغ يونغ جي لـ«الراي» انه «قبل انتشار مصطلح المدن الذكية بشكل كبير، قامت الحكومة والشركات الكورية ببناء مدن جديدة مزودة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الكثير من الأماكن مثل Paju-Unjeong وHwasung-Dongtan وPangyo وكلها مدن جديدة في كوريا».وأضاف «في الوقت الراهن يتعاون القطاع العام والقطاع الخاص معاً، لبناء العديد من مشروعات المدن الذكية في الكويت، ومنها مدينة جنوب سعد العبد الله الجديدة، ولكي نعزز فعالية الإدارة الحضارية للمدن القديمة، فإننا نسعى لتطبيق التكنولوجيا الذكية لتحديث تلك المدن، خصوصاً أن استخدام التكنولوجيا الذكية الكورية سيكون له أثر إيجابي بالغ لحل المشكلات الحالية في الكويت، ومنها الاستهلاك الكبير للطاقة والاختناقات المرورية الشديدة».وحول أطر الشراكات الكورية، الكويت في تحقيق مشاريع المدن الذكية، قال هونغ يونغ جي «يعتبر مشروع مدينة جنوب سعد العبد الله الذكية شراكة بين الحكومتين الكورية والكويتية، تقوم على التعاون المشترك بين البلدين، فعقب التوقيع على مذكرة التفاهم بين المؤسسة العامة للرعاية السكنية وشركة الأراضي والمساكن الكورية (LH) في 2017 تتولى الأخيرة مهمة تقديم الخدمات الاستشارية للمخطط الشامل والتصميم التفصيلي للمدينة، وبعد الانتهاء من الخدمات الاستشارية، ستقوم كل من المؤسسة العامة للرعاية السكنية وشركة (LH) بتشكيل كيان يهدف للتعاون ليس فقط في إنشاء المدينة ولكن في إدارتها كذلك».وأشار الى أنه «يوجد اختلاف كبير بين المدن الحالية والمدينة الذكية، لأن المدينة الذكية مزودة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهذا يسهل من إدارة المدينة بطريقة متكاملة ومنتظمة، كما يساعد أيضاً في تقليل استهلاك الكهرباء في المنازل والشوارع من خلال أنظمة المراقبة، وبالإضافة لذلك، في المدينة الذكية يمكن تقليل الاختناقات المرورية بشكل مذهل من خلال التحكم الإلكتروني في الإشارة الضوئية».وأكد أن «المدن الذكية توجه عالمي في هذا الأيام يسعى لإنشائها الكثيرون، بتحقيق توافق بين قطاع تكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية للمدينة، مثل المرور والتعليم والسلامة والصحة وغيرها»، موضحاً ان «هناك احتياجا متزايدا لوسائل الراحة في المدن الحديثة مع زيادة استخدام تكنولوجيا المعلومات، ولذا بات من الضروري استخدام التكنولوجيا الذكية من أجل بناء مدن توفر الطاقة بشكل فعال في المستقبل».
أبرز المدن الذكية في العالم
سونغدو - كوريا الجنوبيةتعد أفضل وأقوى نموذج يتم تقديمه للمدن الذكية حول العالم، تقع جنوب العاصمة سيول، وهي مدينة متكاملة بدأ تنفيذها في العام 2005. تعتمد على الطاقة البديلة وأجهزة الاستشعار، وأجهزة الكمبيوتر التي وضعت على طول الطرق والمباني لتقييم وضبط استهلاك الطاقة.فوجيساوا - اليابانمدينة حديثة يشرف على إنشائها مصنع باناسونيك الياباني، وقد صممت على أساس الاعتماد الكلي على الطاقة الكهربائية، والحد من التلوث البيئي المنبعث من السيارات التي تعمل بالوقود العادي، لذا قامت بتشييد محطات تزود بالطاقة الكهربائية في كل أركان المدينة.برشلونة - إسبانياتم تحويل وترميم المباني الصناعية القائمة في المدينة، بحيث تصبح المحارق محطات لتوليد الكهرباء بنظام الدورة المركبة، إضافة إلى تنفيذ برنامج تقاسم الدراجات في محاولة لتقليص وسائل النقل التي تعتمد على الوقود.كوبنهاغن - الدنماركيطلق على هذه المدينة اسم العاصمة الخضراء، فهي تعمل على الحد من التلوث البيئي والتشجيع على المباني المستدامة، وهي نموذج للتحديث المستمر للمبادرات المستقبلية.فيينا - النمساهي المدينة التي ستصبح خاليةً من الكربون بحلول 2020، فقد أصبح أكثر من 30 في المئة من طاقة المدينة الكهربائية تنتج من حرق القمامة.بلانيت - البرتغالمدينة يتم تصميمها لتضم كل عناصر المدن الذكية، وتسعى لاستخدام 100 مليون جهاز استشعار ذكي لتفادي الأضرار الناتجة من الطوارئ، كما اهتمت المدينة بنظام النقل، وإشارات المرور، وتحديد أماكن وقوف السيارات لمنع التكدّس المروري، وتستهدف المدينة استقطاب 225000 شخص للسكن فيها.
عن المدن الذكية
استخدام الخدمات الرقميةتعرف المدن الذكية بأنها المدن المعتمدة على التقنيات الإلكترونية التي أنتجها عصر تكنولوجيا المعلومات، بداية من المدن الرقمية الى المدن الإلكترونية ثم الافتراضية، وصولاً إلى المدن المعرفية. ومع كثرة التعاريف لها فقد ذكرت مجلة العمارة والهندسة والتكنولوجيا العلمية ان اهم خصائص المدن الذكية هي تقديم خدمات الاتصالات ذات النطاق العريض والتعليم والتدريب الفعال، وتحقيق التوازن في استخدام الخدمات الرقمية، بحيث تضمن استفادة جميع الافراد من التقنيات، وتعزيز الابداع في القطاعين العام والخاص وانشاء مجموعة اقتصادية لتمويل التنمية، وتحقيق تنمية اقتصادية تعمل على جذب اليد العاملة الماهرة.كل شيء... إلكترونيتعتمد المدن الذكية في خدماتها على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل أنظمة مرور ذكية تدار آلياً، وخدمات إدارة الأمن المتطورة، وأنظمة تسيير المباني، واستخدام التشغيل الآلي فى المكاتب والمنازل، واستخدام عدادات للفواتير والتقارير تصدر الكترونيا، بالاضافة الى توفير الطاقة واستخدام الطاقة المتجددة والاستفادة من النفايات في توليد الطاقة وغيرها.شبكة استشعار لاسلكيةتهدف المدن الذكية الى ان تكون قادرة على تنفيذ إدارة البنية التحتية «المياه والطاقة والمعلومات والاتصالات، والنقل، وخدمات الطوارئ، والمرافق العامة، والمبانى، وإدارة وفرز النفايات، وغيرها» بالاضافة الى وجود شبكة الاستشعار اللاسلكية، وهي شبكة من أجهزة استشعار ذكية لقياس العديد من المعلومات ونقل كافة البيانات فى نفس الوقت للمواطنين أو السلطات المعنية، كما تهدف الى زيادة الاستدامة، وتحسين حياة المواطن، وتحقيق النمو الاقتصادي.خدمات حكومية... إلكترونيةللمدن الذكية العديد من الخصائص التي تربطها بالاستدامة، ومنها البيئة الذكية حيث انها البيئة المادية للمدينة التي يتم اجراء جميع الانشطة من خلالها، والحوكمة الذكية او الحكومة الالكترونية، وهي تتمثل في تطوير منظومة العمل الحكومي باستخدام الوسائل الالكترونية في تقديم الخدمات الحكومية. أما المجتمع الذكي فيقصد به مدى استيعاب مجتمع المدينة لتطبيقات تكنولوجيا المعلومات وامكانية انتقاله من مجتمع عادي مستخدم للتكنولوجيا الى مجتمع مبتكر قادر للوصول الى حلول ابتكارية لمشاكله الحالية وتنمية مستقبله.معيشة... ذكيةمن ضمن الخصائص التي تتمتع بها المدينة الذكية هي المعيشة الذكية، حيث تضم مجموعة من الفعاليات والانشطة التي تسهم في توفير نوعية جديدة للحياة، منها الفعاليات الثقافية والتعليمية والسياحية، والتأكيد على وجود نظام صحي، وتوفير مبانٍ ذات نوعية جيدة، وبالنسبة للحركة الذكية او النقل الذكي في هذه المدن فهو يعتمد على ادارة منظومة النقل والمرور من خلال مجموعة التقنيات التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات.شرط الوصول إلى... الذكاءأوضح خبراء في عدد من البحوث العلمية بأنه لا تنتقل المدن إلى ذكية حتى تتم البنية الاساسية الذكية المستدامة، وبالتالي فالتحول نحو استدامة البنية الاساسية هو أساس للتحول نحو استدامة المدينة، ووصفها بالمدينة الخضراء الذكية، وتكون البنية الاساسية للمدينة الذكية من مصادر الطاقة المتجددة والمياه والصرف الصحي ومعالجة المخلفات الصلبة واسلوب تحولها الى عناصر مستدامة بيئياً ومدى الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات في استدامتها.