«وحياة طنط كيما اللي ما احلف بيها كدب»... كانت هذه عبارة للراحل رشدي أباظه أو «عصمت كاظم» في دوره في فيلم «الرجل الثاني»، والتي كادت أن تتسبب في منع عرض الفيلم في دور السينما عام 1959 بعد أن اعترضت لجنة الرقابة على هذه الجملة، متسائلة إن كانت تحمل معنى مسيئاً من عدمه. كما اعترضت الرقابة وقتها على «وصلة ردح» في حوار الفيلم بين سامية جمال وصباح أو بين سمرا وليما، وهذه «الوصلة» تدور حول تأثير السمراء والشقراء من النساء، وكان رأي لجنة الرقابة أن مثل هذه العبارات والحوارات لا يجب أن تسمعها العائلات وأنها تسيء للذوق العام. دافع وقتها المخرج عز الدين ذو الفقار عن الفيلم قائلاً «إن شخصية رشدي أباظة في الفيلم شخصية رجل نصّاب وتحتاج هذه الشخصية لمثل هذه العبارات، وأن الحوار بين سمرا وليما لا يتعدى الحوار اليومي بين شخصيتين مثلهما، وبعد شد وجذب ونقاشات سمحت الرقابة للفيلم بالعرض». الآن وقد رحل كل أبطال هذه الحكاية، رحل الممثلون كلهم والمخرج وبلا شك أن أفراد لجنة الرقابة رحلوا أيضاً، ورحلت معهم تلك الأسر التي كانت الرقابة تخشى على ذوقها العام وبقيت قصتنا نحن كشعوب وحكومات وثقافات كيف كنا وأين أصبحنا؟ هذا الفريق العامل في الفيلم سواء كان تمثيلاً أو كتابة أو إخراجاً، وسواء في من يراقب تلك الأعمال فيعترض على بعضها، ماذا لو كانوا بيننا اليوم وهم يشاهدون البعض من تلك الحوارات التي تملأ الآذان، فيما يسمى بالإنتاج الفني في بعض جوانبه كيف نزل بالمجتمع إلى «الدون» تمثيلاً وغناء وكتابة وإلى ما لا نهاية له من إنتاجنا الذي يفترض أنه ثقافي، ماذا لو خرج ذاك الجيل ليسمع ما تنتج مجتمعاتنا الآن! الغريب في الأمة العربية وعلى جميع المستويات أنها تراجعت تقريبا في كل شيء، وأنها خسرت كثيرا من إنجازاتها وإبداعاتها واستبدلتها بتفاهات لا أصل ولا جذور لها إلا في أعماق هؤلاء السذج الذين تسيدوا العمل فنيّة وثقافيّة، والمشكلة أن هذه النوعية لا أعماق فيها أبداً فزرعنا سطحي على جميع المستويات! عادة المجتمعات التطور ولا أدري سر هذا التراجع الذي دمرنا. للعلماء في الأدب نقاش مثرٍ جداً بين مقولتين: «ما ترك الأول للآخر» أو «كم ترك الأول للآخر»، وبلا شك أن الثانية هي الأوجه لأن الفكر والإبداع الأصل فيه أنه لا ينضب أبداً بل يتجدد مع الزمان. @lawyermodalsbti